احتل الإنجليز بعض الأقطار العربية مدة طويلة ولم تسيطر اللغة الإنجليزية على أهل هذه الأقطار، فسيادة اللغة في إقليم ما إذن تخضع لظروف وعوامل كثيرة مختلفة قد يكون منها الفتح أو الغلبة، ولكن ذلك ما كان ولا يكون السبب الوحيد.
وأما إنكاره هجرة بعض القبائل اليمنية واستقراراها في الشمال؛ لأنه لا يصدق ما قيل عن نسبها، وعن وقت هجرتها بأنه كان بعد سد مأرب. فاعتراضه على النسب غير واضح في هذا المكان؛ لأن هذه القبائل إما أن تكون من القحطانية أو من العدنانية، فإن كانت من العدنانية فلا إشكال حينئذ؛ لأن أدبهم سوف يجيء مطابقًا لما ورد إلينا. وإن كانت من القحطانية فهذا ما يقول به معارضو رأي الدكتور طه حسين، ويحاولون أن يعللوا بسببه مجيء أدبهم بلغة الشماليين.
وأما عن هجرتهم بسبب انهيار سد مأرب، فإنه مصدق بما جاء في القرآن وما أثبته التاريخ من أن سيل العرم قد حدث، وأنه مزق سبأ كل ممزق فمعنى هذا أن هناك قبائل من سبأ تركوا موطنهم الأصلي، واستقروا في مواضع أخرى، كل ذلك يوافق عليه الدكتور طه حسين ومن يعارضهم الدكتور طه حسين. والخلاف الذي يثيره هو بينه وبينهم هو: تحديد سيل العرم، وكيفية تمزيق هذه القبائل وأسماء هذه القبائل التي هاجرت، والمواطن الجديدة التي استقرت فيها، فمعارضوه يذكرون أن سيل العرم حدث في الجاهلية قبل ظهور الإسلام بوقت استقرت فيه هذه القبائل التي هاجرت، في موطنها الجديد، وأنها تفرقت في جهات شتى في الجزء الشمالي من شبه الجزيرة العربية ويذكرون أسماء قبائل معينة يحددون كلا منها بالاسم فإذا كان الدكتور طه حسين لديه معلومات أخرى عن تاريخ سيل العرم، وكيفية الهجرة، وأسماء أخرى غير هذه القبائل التي ذكروها، فإنه يؤدي للعلم والبحث خدمات جليلة بذكرها وتفصيلها.
ولو أصر على اختلاف لغة النقوش التي أوردها عن لغة الشماليين، فليبين لنا أصحابها وأين كانوا يسكنون وفي أي العصور، فلعلهم كانوا من أقاصي اليمن الذي ورد ذكرهم في كلمة أبي عمرو بن العلاء. أو لعل لغة هذه النقوش كانت من اللهجات الدارجة في الجنوب وليست لغة الأدب الفصحى.
والرأي المعقول في هذه المسألة، أن لغة الأدب كانت واحدة بين الجنوبيين والشماليين، فقد كان الأدباء في القسمين يؤلفون بها أدبهم، كما سبق أن وضحنا ذلك عند الكلام على لغة