للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأدب، وهذه اللغة العربية الفصحى، وليس بعجيب أن يحدث ذلك بين القسمين وإن اختلفت لهجاتهم، كما هو حادث الآن بين جميع أقطار العالم العربي، فكل قطر يتكلم بلهجة تختلف عن اللهجات الأخرى في أحاديثهم اليومية وقضاء مطالبهم الحيوية، فإذا جاء دور اللغة الأدبية اتحدت على جميع الألسنة في جميع الأقطار، وذلك في جميع اللغات التي يكثر الناطقون بها، وهم في أقطار متعددة كعالم المتحدثين باللغة الإنجليزية مثلًا.

والدليل على أن القسمين كانا متحدين في اللغة الأدبية وهي اللغة الفصحى: نزول القرآن الكريم، وفهم العرب جميعًا له، وجدالهم حوله. والدكتور طه حسين نفسه يعترف بأنهم كانوا يجادلون ويخاصمون في مسائل معضلة. وأن جدالهم كان قويًّا يشهد لأصحابه بالمهارة٦٠، ولم يقل أحد ولا الدكتور طه نفسه، أن هذا الجدال كان عن طريق ترجمته لفريق من العرب، أو للعرب الجنوبيين فقط. إنما الأخبار والتاريخ والمعلومات الوثيقة تؤيد أن العرب جميعهم فهموه حق الفهم، ولم يترجم كله أو بعضه لأحد من الجنوبيين، ومعنى ذلك أنهم جميعًا فهموا نصوصه، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت لغته معروفة لهم جميعًا، ثم إن التحدي الذي وجهه القرآن كان للعرب جميعًا وليس لفريق الشماليين دون فريق الجنوبيين. والتحدي لا يكون له معنى إلا إذا كان في ناحية يدعي المتحدى أن له فيها تفوقًا ونبوغًا، وهذا معناه أن العرب الذين تحداهم القرآن بالفصاحة والبلاغة، كانوا العرب كلهم، لا العرب الشماليين دون الجنوبيين.

ثم إن من الثابت تاريخيًّا، أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يرسل مبعوثين إلى الجهات النائية في شبه الجزيرة العربية ومن بينها اليمن، وأطرافها، وكانوا يتفاهمون معهم باللغة العربية الفصحى، لغة القرآن، ولغة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت أن الترجمة كانت سبيل تفاهمهم. كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستقبل الوفود من جميع الجهات، ومن بينها اليمن، وكان يحدثهم، ويتفاهمون معه، بلغة يفهمها الجميع، ولم يثبت أن الترجمة كانت الوسيلة في التحدث والتفاهم بينهم، كما يحدث بين الذين تختلف لغاتهم، وهذا ليس معناه إلا أنه كانت هناك لغة مشتركة يفهمها الجميع، الشماليون والجنوبيون من العرب، هذه اللغة هي لغة القرآن وهى اللغة الفصحى، التي هي لغة الأدب الجاهلي.


٦٠ في الأدب الجاهلي ص٧٣.

<<  <   >  >>