للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أيضًا لم يتعرض له ذلك المقياس، مع أننا أحيانا نكون في أشد الحاجة لمعرفة صاحب النص الحقيقي، وذلك حينما نبحث في شخصية معينة من الشخصيات الأدبية.

إن موضوع الانتحال في الأدب الجاهلي والبحث عن الحقيقة فيه، موضوع قائم على الشك بسبب ما أثير حوله من الاتهامات، وإذا استرسلنا مع الشك -بدون حدود- فسوف ينتهي بنا الأمر إلى التوقف عن العمل؛ لأننا إذا أخذنا نشك -إلى غير نهاية- في كل شيء يتصل بالنصوص الأدبية الجاهلية، فسوف لا نصل إلى نتيجة، وستكبل عقولنا بسلاسل وأغلال تعوقنا عن البحث في هذه النصوص، بل تصرفنا عن النظر إليها، فنضرب بها عرض الحائط، ونهملها إهمالًا تامًّا.

حقيقة أن الشك يقود إلى اليقين؛ لأنه يدفع إلى البحث، وهنا يؤدي إلى الحقيقة؛ ذلك يحدث إذا اتخذنا لأنفسنا -حيال الشك- مبادئ وأسسًا وحدودًا تكون واضحة المعالم، ينتهي عندها الشك، بحيث لا يمكن أن يمسها أو يتطرق إليها؛ لأننا اتفقنا على أن هذه المبادئ والأسس حقيقة ثابتة، صادقة مصدقة لدى الجميع.

والمسائل التاريخية، وبخاصة تلك التي بعد العهد بيننا وبينها، لا نستطيع أن نبحث عن الحقيقة فيها إلا عن طريق الوثائق المسجلة، وهذه الوثائق قد تكون في بعضها وحيدة فريدة، وقد تكون في بعضها كثيرة وعديدة، وهذه قد يتفق المسجلون لها، وقد يختلفون تبعًا لميولهم وأهوائهم، ومن هنا كان على الباحث في التاريخ أن يعرف كل ما يتصل بهؤلاء المسجلين، وما شاع عن كل منهم فيما يتصل بشخصيته وخلقه، وسلوكه وعادته، ومدى أمانته ونزاهته، ثم يوازن بين الوثائق المختلفة؛ وبعقله الواعي، وتفكيره السديد يستطيع أن يستنبط الحقيقة من بين ثنايا هذه الوثائق، فالمسألة قضايا تعرض أمام القضاء ليفصل فيها؛ فقد تكون هناك قضية يتضح فيها الحق والصدق. وهذه قضية يسهل فيها الحكم لأنها بعيدة كل البعد عن الادعاء والبهتان؛ وقد تكون هناك قضية يتضح فيها التلفيق والتزوير، وهذه قضية يسهل فيها الحكم أيضًا لأنها بينة البطلان؛ وقد تكون هناك قضية يخفي الحقيقة فيها حجب وأستار، وهذه على درجات بحسب ما يغشاها من الحجب والأستار، قلة وكثرة، أو ضعفًا وقوة، وهنا تتجلى مهارة القاضي وفطنته، فهو بخبرته ودرايته، وعقله وتفكيره يستطيع أن ينفذ إلى أعماقها، ويسبر أغوارها، فيميز الخبيث من الطيب، ويفصل بين الباطل والحق.

وعلى هذا الأساس، إذا نظرنا إلى النصوص الأدبية التي تنسب إلى الجاهليين نجد أنها

<<  <   >  >>