وثائق قام بتسجيلها قوم منذ أمد طويل، والآن قد يبعد العهد بيننا وبين الزمن الذي أنشئت فيه هذه النصوص. وبيننا وبين الزمن الذي دونت فيه. ولكن لا جدال في أن هؤلاء الذين قاموا بتسجيل هذه الوثائق كانوا أقرب منا عهدًا بالزمن الذي قيلت فيه هذه النصوص، فقد نقلوا -كما سبق أن ذكرنا- إما من أصحابها مباشرة، وإما ممن أخذوا عن أصحابها، ثم إنهم كانوا -ولا شك- أدرى منا بحال العصر الجاهلي الأدبية، وظروف الأدباء الجاهليين وحياتهم، والأساليب التي كانوا يتبعونها، وجميع التقاليد الأدبية التي كانوا يسيرون عليها في العصر الجاهلي، حتى كان لدى كثير منهم ذوق أدبي حاد، استطاع به -عند الحاجة- أن يعرف الأصيل والدخيل.
وهؤلاء الذين اشتركوا في عمل هذه الوثائق -كل في ميدانه- كانوا يختلفون في الشخصيات والصفات، والسلوك والعادات، والميول والاتجاهات، ولكنهم -ككل البشر في جميع العصور- ليس بينهم ما يمنع أن يتفق بعض الأشخاص في قدر مشترك من الأخلاق أو السلوك أو الرغبات. ومن ثم، كان فيهم قوم اتخذوا جانب الحيطة والحذر، وسلكوا سبيل البحث وتحري الحقيقة في كل ما يقومون به من أعمال، فاشتهروا بالأمانة والنزاهة والصدق، ووجد فيهم من ثبت عنه الكذب والادعاء. ومن هنا أعتقد أن الأساس الذي يضع للشك حدًّا يقف عنده ويمنعه أن يجرنا إلى ما لا نهاية في هذا الشأن: أن نتخذ من هؤلاء الذين ثبت عنهم الأمانة والصدق موردًا معينًا، نقبل منه كل ما يمدنا به على أنه نقي، خالص من كل الشوائب والعيوب، ونرفض ما عداه لأنه معرض للشك والاتهام.
وإذا بحثنا الأدب الجاهلي على هذا الأساس فسنجد فيه الأنواع الآتية: