حدث من الرواة الذين يعتمدون على الذاكرة فهي عرضة للخلط والنسيان بسبب كثرة المحفوظ فيها.
ومن المستبعد أن يكون هذا الاضطراب من الشاعر صاحبها، فالقصيدة الرائعة لابد أن يكون مؤلفها بارعًا ممتازًا، والشعراء الممتازون دائمًا أصحاب عقول ناضجة، وأذواق فنية مرهفة، تجعل تفكيرهم مرتبطًا منظمًا، لهذا لابد أن يجيء تعبيرهم متقنًا محكمًا في تسلسل منطقي دقيق.
وبسبب هذا تعرضت القصيدة الجاهلية للقيل والقال، من حيث وجود الوحدة فيها وعدمها، وأثارت هذه القضية جدلًا كثيرًا بين النقاد والباحثين.
لهذا رأينا أن نعرض بالتحليل والدراسة بعض القصائد الجاهلية الطوال المشهورة، لنتبين مدى مقدرة الشاعر الجاهلي الفنية في عرض أفكاره متصلة الحلقات في تسلسل فكري محكم. راجين أن يكن نصب أعيننا دائمًا حقيقتان هامتان، الأولى: أن الشعراء في الجاهلية، وبخاصة الممتازون المشهورون، كانوا يعدون من قمم الطبقات المثقفة في العقل والتفكير، والتعبير والتصوير. والثانية: أن من أهم نواحي البلاغة في اللغة العربية الإيجاز بالحذف اعتمادًا على فطنة القارئ وذكائه.
وهذه القصائد هي المعلقات السبع، واخترناها لشهرتها وللوثوق من أصالتها، وفيما يلي عرض لكل منها على حدة، ثم تعليق ودراسة لها.