ثم أعد مكان الراحة والاستجمام، وجمع الخدم الصيد، وأخذ الطهاة يعدون الطعام وجلس الصياد يرمق حصانه فرحًا وإعجابًا، ويصعد فيه عينيه استحسانًا، وقد انتصب الحصان يفيض قوة ونشاطًا، إلى أن جاءت الموائد وعليها ما لذ وطاب من أنواع اللحم، الصفيف المشوي والمطبوخ المغلي:
فظل طهاة اللحم من بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجل
ورحنا وراح الطرف ينفض رأسه ... متى ما ترق العين فيه تسهل
ويقفل راجعًا من رحلته الممتعة، وفي أثناء عودته يكفهر الجو، وتتجمع السحب، وتتلبد الغيوم، فانتحى هو وصحبه جانبًا، وقعدوا في مكان يحميهم مما يتوقع من مطر غزير، وأخذوا يتتبعون الحال، سحب تتراكم، ويتلاطم بعضها ببعض فيحدث رعد عنيف يملأ الجنبات ويلمح البرق خاطفًا فيضيء جميع الجهات، ثم يهطل المطر منهمرًا كأفواه القرب، فيملأ البطاح والأودية ويعلو الجبال والهضاب، ويعظم الفيضان، فينساب سيلًا عنيفًا، يقتلع الأشجار، ويجتث البيوت والآطام، ويجرف كل ما في سبيله من حيوان ونبات وجماد، وكان ذلك خليطًا هائلًا متنوعًا، ظهر حينما ترسب فوق المنخفضات والمترفعات بعد أن أقلعت السماء وغيض الماء:
أصاح ترى برقًا أريك وميضه ... كلمع اليدين في حبي مكلل
يضيء سناه أو مصابيح راهب ... أهان السليط بالذبال المفتل
قعدت له وصحبتي بين ضارج ... وبين العذيب بعد ما متأمل
فأضحى يسح الماء من كل فيفة ... يكب على الأذقان دوح الكنهبل
ومر على القنان من نفيانه ... فأنزل منه العصم من كل منزل