وفي الحي أحوى ينفض المرد شادن ... مظاهر سمطي لؤلؤ وزبرجد
خذول تراعي ربربًا بخميلة ... تناول أطراف البرير وترتدي
وتبسم عن ألمى كأن منورًا ... تخلل حر الرمل دعص له ند
سقته إياة الشمس إلا لثاته ... أسف -ولم تكدم عليه- بإثمد
ووجه كأن الشمس حلت رداءها ... عليه نقي اللون لم يتخدد
وهنا يحس أن الهم قد تملكه، وأظلم عليه المكان، وضاق الأفق حوله، فلم يجد بدًّا من اللجوء إلى مسلية همومه، تلك هي ناقته، فأخذ يصورها، وكأنما يريد أن يجسمها فتتبعها جزئية جزئية بكل صغيرة وكبيرة من رأسها إلى أرجلها، حتى ذنبها، والشعرات التي تحت لحييها، فتبدو في تصويره: ناقة ضخمة، جسمها قوي محكم البنيان، مفتول العضلات وجمجمتها صلبة شديدة الالتئام، وعنقها طويل مشرف يرتفع إذا سارت، وخدها أبيض مشرق خال من الشعر نقي، ومشفرها طويل جميل الشكل، وعيناها صافيتان لامعتان حادتا النظر نقيتان، وأذناها فيهما حسن ونقاء، تدلان على العتق والكرم، حادتا السمع حتى للصوت الخفي، ومشفرها الأعلى لين مشقوق مما يلي الأنف الذي إذا أومأت به إلى الأرض ازدادت سيرًا، وما تحت لحييها من الشعر أبيض مشوب بحمرة، وظهرها متين محكم، وفقاره قوية متراصة متدانٍ بعضها من بعض، وباطن عنقها شديد محكم، وأطراف أظلافها مقوسة، ويداها مفتولتان بعيدتان عن كركرتها، وفخذاها قد اكتنز لحمهما وفيهما طول ونعومة، وأميلت عضدها نحو جنبين، كأنهما سقف أحكم وضع لبناته، وقلبها حديد، شديد الارتياع، قوي النبض، خفيف، ومجتمع كأنه كتلة من صخر، وذنبها قوي فيه شعر غليظ متين، تدافع به عن نفسها وتحركه دائمًا في نشاط وقوة، فتارة تضرب به خلف الزميل، وتارة تضرب به ضرعها البالي الخالي من اللبن، ولا تترك حبال الرحل في جسمها آثارًا إلا كما يترك وراد الماء آثار سيرهم في صخرة ملساء.
كما تحدث الشاعر عن غذائها وسيرها وجريها ونشاطها وذكائها: فقد ربيت على أحسن الغذاء، وهي معتادة الغدو والرواح. وسريعة السير وراكبها آمن، فإذا ما سلكت طريقًا فيه آثار السير، انطلقت كأنها في سباق مع إبل بيض كرام سراع، وكتفاها تتبعان يديها في سهولة ويسر، وحينما تجري تميل على أحد شقيها في تدفق لفرط نشاطها وهي طوع إرادة صاحبها إن