شاء أسرعت وإن شاء لم تسرع، وتلبي صوت راعيها، وأحيانا تتبختر في مشيها تبختر الأمة أمام سيدها، حين تجر أذيالها وتهز أعطافها.
ثم ختم حديثه عن الناقة بأنه عليها يخترق المسالك الوعرة ويجوب المغاور المهلكة لأنه هو الفتى المرجى عند الشدائد، فكان ذلك افتتاحية للحديث عن نفسه في فخر شخصي:
على مثلها أمضي إذا قال صاحبي ... ألا ليتني أفديك منها وأفتدي
وجاشت إليه النفس خوفًا وخاله ... مصابًا ولو أمسى على غير مرصد
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني ... عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
وهنا تحدث عن نفسه بما يصوره شخصًا كريم الأخلاق، ذا مكانة اجتماعية ممتازة، وبطلًا شهمًا ذائع الصيت: فهو لا يحل في بيت متوارٍ من الناس حتى لا يعرفه ابن السبيل ولا الضيف، وهو من بين ذوي الرأي في المجتمعات، وبين الشاربين في الحوانيت، وإن افتخر الناس فهو في ذروة المجد، نداماه من علية القوم، يسرف في الإنفاق والإتلاف حتى غضبت منه العشيرة، ويقصده الفقراء والأغنياء؛ الأولون لأنه يعطيهم، والأغنياء لمكانته وجلالته.
ولا يستمع لمن يلومه على دخوله الحرب والتمتع باللذات لأنه لا ضمان للخلود، وهنا يذكر رأيه في الحياة وهو رأي جاهلي لا يؤمن بالحياة الآخرة، فيرى أن الحياة تنتهي بالموت وخير للإنسان أن يغتنم فرصة حياته ليمتع نفسه بما يستطيع منها ولا يحرص على المال فلن يفيده شيئًا، ولن يتميز قبر الممسك عن قبر المتلف، فكلاهما كومة من تراب وحجارة، فمما يقوله:
ولست بحلال التلاع مخافة ... ولكن متى يسترفد القوم أرفد
وإن تبغني في حلقة القوم تلقني ... وإن تقتنصني في الحوانيت تصطد
وإن يلتق الحي الجميع تلاقني ... إلى ذروة البيت الرفيع المصمد
وما زال تشرابي الخمور ولذتي ... وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي
إلى أن تحامتني العشيرة كلها ... وأفردت إفراد البعير المعبد
رأيت بني غبراء لا ينكرونني ... ولا أهل هذاك الطراف الممد
ألا أيهذا اللائمي أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
فإن كنت لا تسطيع دفع منيتي ... فدعني أبادرها بما ملكت يدي