وثديا مثل حق العاج رخصا ... حصانا من أكف اللامسينا
تذكرت الصبا واشتقت لما ... رأيت حمولها أصلًا حدينا
فما وجدت كوجدي أم سقب ... أضلته فرجعت الحنينا
ولا شمطاء لم يترك شقاها ... لها من تسعة إلا جنينا
ثم ختم حديثه في ذلك بأن قلبه قد تعلق بها، ولكن الأقدار تأتي ولا يدري ما يكون من أمرها، فالمستقبل مجهول ولا يعلم عنه أحد شيئًا، وكأن ذلك كان من ناحية استمالة لقلبها، ومن ناحية أخرى تمهيدًا للانتقال إلى ما سوف يجد من أحداث، وبخاصة ما يتسبب عن تطور الصلة بينه وبين عمرو بن هند الذي وجه إليه الحديث في البيت التالي مباشرة، فطالبه بالتريث والتمهل في تصرفاته إزاء قوم الشاعر، فهم القوم الذين سيخبره بحقيقتهم، ثم انبرى بعد ذلك يعرض أمجاد قومه في فخر قبلي طويل، فكان مما ذكر فيه: أن راياتهم يدخلون بها الحرب وهي بيضاء فيرجعون بها حمراء من دم الأعداء، وأيامهم مشهورة، طويلة على أعدائهم، وكم من ملك قهروه وقتلوه وأخذوا سلبه، ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منهم، وميادين حروبهم شاسعة ويقتلون أعداءهم جماعات، حتى تمتلئ الأرض بجماجم الأبطال، وهم حماة الحمى والشرف والمدافعون عن الجيران والحلفاء في أوقات الشدة، يذودون عنهم الأعداء، ويحملون عنهم الأثقال، وهم قادة الناس، وأبطال الحروب شيوخًا وشبانًا.
وإن غدًا وإن اليوم رهن ... وبعد غد بما لا تعلمينا
أبا هند فلا تعجل علينا ... وأنظرنا نخبرك اليقينا
بأنا نورد الرايات بيضًا ... ونصدرهن حمرًا قد روينا
وأيام لنا غر طوال ... عصينا الملك فيها أن ندينا
وسيد معشر قد توجوه ... بتاج الملك يحمي المحجرينا
تركنا الخيل عاكفة عليه ... مقلدة أعنتها صفونا
متى ننقل إلى قوم رحانا ... يكونوا في اللقاء لنا طحينا
يكون ثفالها شرقي نجد ... ولهوتها قضاعة أجمعينا
ورثنا المجد قد علمت معد ... نطاعن دونه حتى يبينا
ونحن إذا عماد الحي خرت ... على الأحفاض نمنع من يلينا