قبل ما اليوم بيضت بعيون الـ ... ناس فيها تعيط وإباء
وكأن المنون تردي بنا أر ... عن جونًا ينجاب عنه العماء
مكفهرًا على الحوادث ما تر ... توه للدهر مؤيد صماء
ثم وجه الحديث إلى خصوم قومه متحديًا، فقال: ابعثوا إلينا سفراءكم بأية خطة تريدون، وإن أثرتم ما كان بيننا من قتل وأسر فسوف يخزيكم، وإن استقصيتم الأمور فسيكون عارًا عليكم، وإن سكتم فسوف تغمض أعيننا على ما فيها من القذى منكم، وإن رفضتم ما تدعون إليه، فأنتم أدرى بعزتنا ومنعتنا:
أيما خطة أردتم فأدو ... ها إلينا تمشي بها الأملاء
إن نبشتم ما بين ملحة فالصا ... قب فيه الأموات والأحياء
أو نقشتم فالنقش يجشمه النا ... س وفيه الصحاح والأبرياء
أو سكتم عنا فكنا كمن أغـ ... مض عينًا في جفنها أقذاء
أو منعتم ما تسألون فمن حد ... ثتموه له علينا العلاء
ثم انطلق يعرض بعض أمجاد قومه سائلًا خصومه عن مدى علمهم بها، فقال: هل علمتم أننا -أيام شاعت الغارات وكثر النهب، وضج الناس صياحًا وعواءً- سقنا الإبل من البحرين إلى الإحساء وملنا على تميم فسبينا نساءهم، وكففنا عن قتالهم لدخول الأشهر الحرم، وبسبب قوتنا لم يكن للقوي الشديد أن يقيم في البلد السهل لما كان فيه الناس من الغارة والخوف، ولم ينفع الذليل الضعيف الهرب، ولم يحمِ اللاجئ قمة جبل ولا أرض وعر، فدان لنا جميع الناس بالطاعة والولاء حتى ملك المنذر بن ماء السماء وقد شهد بنفسه ما فعلنا في يوم الحبارين:
هل علمتم أيام ينتهب النا ... س غوارًا، لكل حي عواء
إذ رفعنا الجمال من سعف البح ... رين سيرًا حتى نهاها الحساء
ثم ملنا إلى تميم فأحرمـ ... نا وفين بنات مر إماء
لا يقيم العزيز بالبلد السهـ ... ل ولا ينفع الذليل النجاء
ليس ينجي موائلًا من حذار ... رأس طود وحرة رجلاء