للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جعل سهيل بن عمرو في قلبه الحمية فامتنع أن يكتب في كتاب المقاضاة الذي كتب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين، بسم الله الرحمن الرحيم، وأن يكتب له: محمد رسول الله، وامتنع هو وقومه من دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عامه ذلك: وقال: حمية الجاهلية، لأن الذي فعلوا من ذلك كان جميعه من أخلاق أهل الكفر، ولم يكن شيء منه مما أذن الله لهم به ولا أحد من رسله.

وفي السنة ورد لفظ الجاهلية كثيرًا، من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم، لأبى ذر حين عير رجلًا بأمه: "إنك امرؤ فيك جاهلية". ومما ورد فيه من الأقوال المأثورة، قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة" وقول عائشة رضي الله عنها: "كان النكاح في الجاهلية على أربعة أنحاء"، وقولهم: "يا رسول الله كنا في جاهلية وشر"، فالمقصود في هذا كله، حال جاهلية، أو طريقة جاهلية، أو عادة جاهلية ونحو ذلك.

ولفظ الجاهلية وإن كان في الأصل صفة، فقد غلب عليه الاستعمال حتى صار اسمًا، ومعناه قريب من المصدر.

والجاهلية، من حيث الاشتقاق اللغوى: مصدر صناعي، مأخوذ من "الجاهلي" نسبة إلى "الجاهل" المشتق من "الجهل". والجهل، في اللغة نقيض العلم. ويقول الألوسي: هو عدم العلم، أو عدم اتباع العلم.. فمن قال خلاف الحق، عالمًا أو غير عالم، فهو جاهل، ويقول: قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: كل من عمل سوءًا فهو جاهل، وإن علم أنه مخالف للحق. وسبب ذلك أن العلم الحقيقي الراسخ في القلب يمتنع أن يصدر معه ما يخالفه من قول أو فعل، فمتى صدر خلافه فلا بد من غفلة القلب بمقاومة ما يعارضه، وتلك أحوال تناقض حقيقة العلم، فتصير جهلًا بهذا الاعتبار٦. وعلى ذلك "فالناس قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم كانوا في حال جاهلية، جهلًا منسوبًا إلى الجاهل، فإن ما كانوا عليه من الأقوال والأعمال إنما أحدثه لهم جاهل، وإنما يفعله جاهل"٧. ويستدل على ذلك بما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "إذا سرك أن تعلم جهل


٦ بلوغ الأرب جـ١ ص١٦.
٧ المرجع السابق، ص١٧.

<<  <   >  >>