يبدو أنه حدث بينهما ما لم يكن مرغوبًا فيه، فوجه إليه الحديث في غضب وثورة مهددًا ومتوعدًا، بدأه بنصحه في تهكم بالتريث؛ ليعرف حقيقة قوم الشاعر، ثم أخذ عمرو يعرض مفاخر قومه وأمجادهم وعزتهم وإباءهم وأسلافهم السابقين من ذوي الشهرة والحسب، ثم وجه الحديث إلى بني بكر خصوم قومه محذرًا، واستمر في فخره القبلي إلى آخر القصيدة.
وأما الحارث بن حلزة فقد بدأ بأن الحبيبة أعلمته بالارتحال، وأنها أصبحت بعيدة عنه، ولن يجديه البكاء شيئًا، فتسلى بناقته التي يسلى بها الهموم، ولكن يبدو أن همًّا ثقيلًا عنيفًا قد استحوذ عليه، فأثار حفيظته، فانطلق ينفس عن ثورته، فقد أسيء إلى قومه ظلمًا وعدوانًا، ووشى الوشاة ضدهم بالنميمة حقدًا وضغنًا، وأخذ يعرض أمجاد قومه، ثم انتقل إلى تحقير خصومهم، فسرد مخازيهم، وما حاق بهم من الهوان في تهكم وسخرية، ثم ذكر مواقف معينة عظيمة لقومه تدل على علو شأنهم.
من هذا ترى أن الوحدة الموضوعية متحققة في كل المعلقات، فكان الشاعر ينتقل من جزئية إلى أخرى لمناسبة تقتضيها، وبمجرد أن يبدأ تتوالى عليه الأفكار، فيسير في عرضها متتابعة حتى ينتهي مما يريد.