وكأن السنون تردى بنا أر ... عن جونًا ينجاب عنه الغماء
مكفهرًا على الحوادث ما تر ... توه للدهر مؤيد صماء
وقوله فيما حدث للأعداء:
فجبهناهم بضرب كما يخـ ... ـرج من خربة المزاد الماء
وحملناهم على حزن ثهلا ... ن شلالًا ودميّ الأنساء
وفعلنا بهم كما علم اللـ ... ـه وما إن للخائنين دماء
فالقتلى كانوا ينزفون بغزارة كما يندفع الماء من أفواه القرب، والفارون تجشموا الهرب في مسالك وعرة حتى دميت أنساؤهم، وقد فعلوا بهم أفعالًا شنيعة يعلمها الله، وذهبت دماؤهم هدرًا، فجزاؤهم ما حل بهم، فالخائن لا حق له ولا كرامة.
هذه أمثلة في تصوير الأفكار في المعلقات، وهي مملؤة بروائع الصور مما يجعل قيمتها الفنية من ناحية التصوير عظيمة، وقد أشرنا فيما سبق إلى أنها تفيض بالشعور والعواطف المختلفة مما يدل على أن التصوير فيها صادق وصحيح؛ لأنه تصوير لمشاعر إنسانية حقيقة.
والألفاظ فيها مختارة بعناية ودقة، والعبارات متقنة الصياغة محكمة الوضع والتنسيق وملائمة للأفكار، حتى ما يبدو فيه تعقيد، لو تأمل فيه الإنسان لوجد الفكرة التي تعبر عنها هذه الألفاظ ليس فيها تعقيد أو تداخل أو تشابك، مما يدل على أن الشاعر كان صادق التعبير عن هذه الأفكار، حيث اختار لها من الألفاظ ما يناسبها، على أن هناك كثيرًا من الألفاظ لها دلالات قيمة من الناحيتين التاريخية واللغوية مثل: كلمة "السجنجل" وهي لفظة رومية ومعناها المرآة وقيل: سبيكة الفضة، وقد وردت في معلقة امرئ القيس، وكتصوير طرفة ضخامة ناقته بقنطرةالرومي، وكتصويره عنق الناقة في حركتها بسكان "البوصي"، وقد قال العلماء: البوصي: زورق أو ضرب من السفن أو الملاح وهو بالفارسية: "بوزي" وكذكر طرفة الشام واليمن في قوله: "قرطاس الشامي وسبت اليماني" وقد ورد ذكر أنطاكية في بيت لزهير في معلقته كما رواه الأصمعي:
علون بأنطاكية فوق عقمة ... وراد حواشيها مشاكهة الدم