للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في حرور ينضج اللحم بها ... يأخذ السائر فيها كالصقع٩

وتخطيت إليها من عدى ... بزماع الأمر والهم الكنع١٠

وفلاة واضح أقرابها ... باليات مثل مرفت القزع١١

يسبح الآل على أعلامها ... وعلى البيد إذا اليوم متع١٢

فركبناها على مجهولها ... بصلاب الأرض فيهن شجع١٣

وشاعرنا هذا في حديثه عن بعد حبيبته يقول: إن بينه وبينها قفارًا كثيرة، مترامية الأطراف، يلمع فيها السراب، حين يشتد الحر، وتهب الريح فيها ساخنة، وتكاد شدة الحرارة تنضج اللحم، وتصيب من يسير فيها بضربة شمس توشك أن تقضي عليه، وهذه المهامه الواسعة مملوءة بالأعداء الذين لا بد لاتقائهم من أخذ الحيطة، والاستعداد لملاقاة الخطر، وتلك القفار الشاسعة كلها مرتفعات ومنخفضات ومتعرجات، ومعالمها بالية لا يستطيع السائر أن يهتدي بها، ويغطي هضابها ووديانها السراب حين ترتفع الشمس، وتزداد اللهفة للشرب من شدة العطش، مما يجعل السفر في منتهى المشقة والألم، ولكن المضطر لا بد له من تجشم الصعاب، وتعسف السير في مجاهل مسالكها وأعلامها.

وهذه الصحراء الواسعة النائية الجهات، مملوءة بشتى الظواهر الطبيعية التي تتعاورها على اختلاف فصول السنة، تبعًا للارتفاع والانخفاض، ولئن كان الحر بها شديدًا في الصيف، فهناك بعض الأمكنة تهطل فيها الأمطار المصحوبة بالبرق والرعد، وبخاصة في أعالي الجبال، ومما قيل في ذلك ما ورد لامرئ القيس، إذ يقول١٤:


٩ الحرور: الريح الحارة التي تهب بالنهار، أما السموم فتكون بالليل والنهار جميعًا، الصقع: حرارة تصيب الرأس.
١٠ عدى: الأعداء، زماع الأمر: الجد فيه، الكنع: الذي يلازم ولا يفارق.
١١ الأقراب: الخواصر، وهي هنا تشبيه، أراد جوانبها وأطرافها التي هي بمنزلة الخواصر من الناس، المرفت: المكسر المتحطم، القزع: جمع قزعة وهي بقايا تبقى من الشعر في الرأس، شبه بها علامات الفلاة.
١٢ الأعلام: الجبال، البيد: جمع بيداء وهي القفر، متع اليوم: ارتفعت شمسه.
١٣ ركبناها على مجهولها، سرنا فيها على جهل بمسالكها وأعلامها، وبصلاب الأرض: بخيل صلاب الحوافر، وأرض الفرس: حوافرها. الشجع: جنون من النشاط.
١٤ المعلقات: دار المعارف سنة ١٩٦٣.

<<  <   >  >>