تتجسم أمامنا من خلال الشعر، خاصة الحسية منها في دقة وإتقان.
ومع أن كل ما حاول الشعراء وصفه جاء تصويره على العموم دقيقًا متقنًا، فإن بعض الموصوفات نالت اهتمامًا ظاهرًا فمثلا الإبل والخيل قد فاقت في التصوير كل ما عداها، ويبدو واضحًا في الشعر، أنها حظيت من الشعراء بعناية فائقة واهتمام كبير، فقد صوروها تصويرًا دقيقًا: في حركاتها وسكناتها، وتتبعوا أجسامها جزئية جزئية، ولم يقتصروا على أعضائها الظاهرة، صغيرها وكبيرها، بل تحدثوا كذلك عن بعض أجزاء باطنية لا تراها العين كالنسا والشظا والقلب وفقار الظهر. وربما كان سبب هذه الخطوة أن الإبل كانت عماد حياتهم في الصحراء، والعرب-كانوا وما يزالون- يهيمون بالخيل، ويعتزون بها اعتزازًا كبيرًا حتى إنها كانت تعامل معاملة خاصة تنم عن حب العربي لها وتعلقه الشديد بها، لدرجة أنه كان لا يفارقها، فكانت تحت سمعه وبصره وحسه، ولا عجب حينئذ أن هيأ لهم ذلك فرصة طيبة لتتبعها في حركاتها وسكناتها، وتفحصها جزئية جزئية، فجاء تصويرهم لها بالغ الدقة والإتقان.
ويظهر من الشعر كذلك أن انفعال العربي بالخيل كان عظيمًا، وأنها كانت مصدر وحي وإلهام لا ينفد، فكثيرًا ما نجد الشاعر يطيل الحديث في تصويره فرسه، ثم يتبعه بصورة أخرى للحصان، مع أنه ليس هناك فرق بين الأنثى والذكر في هذا التصوير، اللهم إلا في الألفاظ والعبارات. ولئن قيل في تعليل ذلك أن الشاعر كان يقصد أن يبين أن لديه خيلًا كثيرة من ذكور وإناث، أو نحو ذلك، فإن هذا، بجانب ذلك كله، يدلنا على شدة تعلق العربي بالخيل وكثرة تأمله فيها، وقوة تأثر عواطفه وإحساساته بها، حتى دفعه ذلك إلى محاولة التنويع في التصوير.
والسائد في الوصف هو التصوير الحسي الذي يراد منه إدراك الموصوف بإحدى الحواس ومن المعروف أن الأشياء الحسية أقوى ظهورًا، وأسرع إدراكًا، وأقرب منالًا، ولا تحتاج في إدراكها إلى تعب عقلي، أو كد ذهني، وهذه أنسب الأمور للعقليات التي لم تمرن على التعمق في التفكير، أو إجهاد العقل في البحث والتأمل: