للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويظهر واضحا من شعر الفخر أن العربي في الجاهلية كان يحب أن يظهر نفسه بمظهر التفوق التام على الآخرين، وأن يشاع عنه أنه أعلى شأنًا من غيره في كل شيء، ويتضح من فخرهم أن الميل إلى الإعجاب الشديد بالنفس كان متسلطًا على العرب في الجاهلية لدرجة عظيمة، حتى إن الشاعر في بعض الأحيان كان يفخر بتفوق فرعه على بقية فروع قبيلته الآخرين، فيدعي أنه نال من الأمجاد والبطولة والفوز ما لم يستطع الآخرون أن يصلوا إليه، وأظهر مثل لذلك، قول عمرو بن كلثوم.

وكنا الأيمنين إذا التقينا ... وكان الأيسرين بنو أبينا

فصالوا صولة فيمن يليهم ... وصلنا صولة فيمن يلينا

فآبوا بالنهاب وبالسبايا ... وأبنا بالملوك مصفدينا

فقومه هم الأيمنون، في حين أن بقية عشيرته في غير فرعه كانوا أهل الشمال وبينما رجع هؤلاء من الحرب بالنهاب والسبايا، عاد قومه وقد أسروا ملوك الأعداء ورؤساءهم، وقد صفدوهم بالقيود والأغلال.

وفي الفخر نرى أن ما قيل في الناحية القبلية يكاد يكون ثلاثة أضعاف ما قيل في الناحية الشخصية. وهذا معناه أن العصبية القومية كانت سائدة في ذلك الحين، حتى استولت على نفوس الشعراء، وسيطرت إلى حد كبير على مشاعرهم، فكان فيها معظم إنتاجهم.

ولكن هذا يدلنا من ناحية أخرى على أن الشاعر -في وسط هذا الشعور الجماعي المتسلط- ما كان لينسى نفسه: كفرد قائم بذاته، وكشاعر له إحساسه الخاص، فكان يتحدث عن نفسه، ويفتخر بشخصيته، وبطولته، وقوته، في حرية تامة، وكيفما شاء.

<<  <   >  >>