للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشهامة والبطولة والجود، فإن من عدا هؤلاء الثلاثة كانوا يسيرون سيرًا طبيعيًا في المدح من الاعتراف بالفضل والثناء عليه. أما النابغة والأعشى فكانا يبالغان مبالغة ظاهرة في مدائحهما، فمثلًا كان الممدوح كالأسد، ثم يخلع على هذا الأسد من الأوصاف ما شاء الخيال، وأحيانا كان الواحد منهما يسترسل في وصف هذا الأسد حتى إن السامع قد يظن أن الشاعر يتحدث عن أسد حقيقي خاص، أو أن الممدوح يلبس درعين، ويحمل سيفين، وغاراته لا تنقطع، ما ينتهي من واحدة إلا ويدخل في أخرى. وهو يشنها في أوقات الشدة. ويصل الشتاء بالربيع في الغارات، وينهك خيله حتى إنها لترمي أفلاءها في الطريق، ونصره في حروبه مؤكد حتى إن الطير لتتبعهم واثقة من الرزق الواسع المضمون بقتل الأعداء.

ولعل هذه المبالغات لا تكون عجيبة، فللمال أثره الذي لا ينكر في دفع الإنسان إلى محاولة إظهار البراعة في التفكير. والاتساع في الخيال.

وفي المدح الذي يقال طمعًا في هدية، أو تحقيق رغبة نجد التملق ظاهرًا واضحًا، كقصيدة علقمة التى مدح بها الحرث بن جبلة الغساني طمعًا في إطلاق سراح أخيه. وقصيدة النابغة الذبياني التي مدح بها النعمان بن وائل بن الجلاح لإطلاق سراح عقرب بنت النابغة، وقصائده التي يمدح بها النعمان بن المنذر. وعمرو بن الحارث الغساني.

وكان للفضائل الخلقية حيز كبير في شعر المدح، فمدحوا بعدم الاعتداء على الأقارب واللاجئين، والزهد في الغنائم، وتوزيعها على الفقراء. والسعي في الصلح بين المتخاصمين. وبذل الأموال رغبة في أن يسود السلام، وإجابة المستغيث، وتأمين الخائف، والوفاء بالعهد، وعدم التنكيل بالعدو، وعدم إهانة الأسير، وإطلاق سراحه بدون فدية لا خوفًا من عقاب، ولا طمعًا في ثواب.

<<  <   >  >>