للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأيقن إذ ماتا بجوع وخيبة ... وقال له الشيطان إنك عائل٤٨٠

فطوف في أصحابه يستثيبهم ... فآب وقد أكدت عليه المسائل٤٨١

إلى صبية مثل المغالي وخرمل ... رواد، ومن شر النساء الخرامل٤٨٢

فقال لها: هل من طعام فإنني ... أذم إليك الناس، أمك هابل٤٨٣

فقالت: نعم، هذا الطوي وماؤه ... ومحترق من حائل الجلد قاحل٤٨٤

فلما تناهت نفسه من طعامه ... وأمسى طليحًا ما يعانيه باطل٤٨٥

تغشى، يريد النوم، فضل ردائه ... فأعيا على العين الرقاد البلابل٤٨٦

ومع انتشار الفقر والبؤس بين الجاهليين، فإن الواحد منهم كان إذا نزل به ضيف بذل كل ما في وسعه ليقدم له القرى ويوفر له جميع أسباب الراحة والاطمئنان، وعند ذلك يشعر المضيف بسعادة غامرة ورضا نفسي عميق.

ومن خير ما ورد في هذا أبيات منسوبة إلى الحطيئة يصف فيها حال أعرابي فقير يعيش في عزلة ويشد الخرق على بطنه من الجوع، ومعه زوجه وأولاده، حفاة عراة، في غاية الهزال، كأنهم أشباح، وفاجأه ضيف فانتابه الهم والضيق والألم لأنه لا يوجد قرى له، فهم أن يذبح ابنه حتى لا يسيء الرجل الظن به، ثم فرج الله كربته بصيد سمين، فغمرته الفرحة والبهجة، وباتوا جميعًا في سعادة، لما قاموا به من واجب الضيافة.


٤٨٠ عائل: من "عال يعيل" افتقر، أو من "عال يعول" كثر عياله.
٤٨١ يستثيبهم: يطلب ثوابهم ونائلهم. أكدت: امتنعت، يقال حفر الحافر فأكدى، إذ بلغ كدية، وهو الصلب من الأرض.
٤٨٢ المغالي: سهام لا نصال لها يغلى بها في الهواء، أي يرمى بها لتبلغ الغاية يريد أن صبيانه في ضعفهم وسوء حالهم وتحولهم مثل هذه السهام. ويقال: بل أراد أنه لا نفع عندهم ولا عون على أنفسهم، كما لا يصاد بهذه السهام ولا ينتفع بها. الخرمل: الحمقاء. الرواد: الطوافة في بيوت جاراتها ولا تقعد في بيتها لشرها.
٤٨٣ هابل: من قولهم "هبلته" أي فقدته.
٤٨٤ الطوي: البئر. الحائل: الذي قد أتى عليه حول. ويقال أيضا للمتغير حائل. القاحل: اليابس.
٤٨٥ طليحًا: من الطلح والطلاحة، وهو الإعياء والضعف."ما" هنا نافية. يريد أنه سهر للجوع ولم يسهره باطل أي الذي به جد من الجوع.
٤٨٦ البلابل: هماهم صدره. أي أعيت بلابل صدره على عينيه أن ينام.

<<  <   >  >>