للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وطاوي ثلاث، عاصب البطن، مرمل ... ببيداء لم يعرف بها ساكن رسما٤٨٧

أخي جفوة، فيه من الأنس وحشة ... يرى البؤس فيها من شراسته نعمى ٤٨٨

وأفرد في شعب عجوزًا إزاءها ... ثلاثة أشباح تخالهم بهمًا ٤٨٩

حفاة، عراة، ما اغتذوا خبز ملة ... ولا عرفوا للبر، مذ خلقوا، طعمًا٤٩٠

رأى شبحًا، وسط الظلام، فراعه ... فلما بدا ضيفا، تهيأ واهتما٤٩١

فقال ابنه، لما رآه بحيرة ... أيا أبت اذبحني! ويسر له طعما

ولا تعتذر بالعدم، علَّ الذي ترى ... يظن لنا مالا، فيوسعنا ذما٤٩٢

فروى قليلًا، ثم أحجم برهة ... وإن هو لم يذبح فتاه، فقد هما٤٩٣

وقال: هيا رباه، ضيف ولا قرى! ... بحقك، لا تحرمه تا الليلة اللحما٤٩٤

فبينا هما، عنت على البعد عانة ... قد انتظمت من خلف مسحلها نظما٤٩٥


٤٨٧ الطاوي: الجائع. ثلاث: أي ثلاث ليال. عاصب البطن: الذي يتعصب بالخرق، ويشدها على بطنه من الجوع. مرمل: محتاج. بيداء: صحراء. الرسم: ما بقى بالأرض من آثار الدار، أي هو في مفازة لم ينزل بها أحد.
٤٨٨ الجفوة: غلظ الطبع. والأنس. ألفة البيوت وهو ضد الوحشة: أي النفور. البؤس: الشدة فيها. الضمير للبيداء والمعنى: هو رجل عنيف الطباع. محب للعزلة، لا يألف الناس، يرى الوحدة في هذه الصحراء نعيمًا وسعادة، لشدة نفوره من الخلق.
٤٨٩ الشعب: الطريق في الجبل. البهم: جمع بهمة. ولد الضأن والماعز؛ شبههم بها لهزالهم.
والمعنى: وسكن مع زوجته وأولاده الذين يشبهون الأشباح.
٤٩٠ الملة: الرماد الحار. البر: القمح.
هؤلاء الأولاد حفاة الأقدام، عراة الأجسام، لم يأكلوا القمح طول حياتهم.
٤٩١ راعه: أفزعه. رأى شبحًا في الظلام مقبلًا عليه، فخاف، إذ يجوز أن يكون عدوًّا فاتكًا يقصده بسوء، فلما وجده ضيفًا، استعد للقائه وإكرامه.
٤٩٢ العدم: الفقر يقصد أن يقول: لا تعتذر له بالفقر، فلعله يظن أننا أغنياء ونبخل عليه بالطعام، فيذمنا بين الناس.
٤٩٣ روى: سكت مفكرًا. أحجم: امتنع. برهة: لحظة. هم: حاول أن يفعل.
٤٩٤ هيا: حرف نداء. القرى: طعام الضيف، تا الليلة: هذه الليلة. دعا الرجل ربه أن يرزقه ما يكرم به ضيفه.
٤٩٥ عنت: عرضت. العانة: إناث الحمر الوحشية. المسحل: الحمار الوحشي. انتظامها من خلفه: انضمامها إليه، وقربها منه.
وبينما هو في حيرة مع ولده، إذا أقبل عليهما قطيع من حمر الوحش، يسير صفًّا منتظمًا وراء قائده.

<<  <   >  >>