للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عطاشًا تريد الماء، فانساب نحوها ... على أنه منها إلى دمها أظما٤٩٦

فأمهلها حتى تروت عطاشها ... فأرسل فيها من كنانته سهما٤٩٧

فخرت نحوص، ذات جحش، سمينة ... قد اكتنزت لحمًا، وقد طبقت شحما٤٩٨

فيا بشره إذ جرها نحو أهله ... ويا بشرهم لما رأوا كلمها يدمى٤٩٩

فباتوا كرامًا قد قضوا حق ضيفهم ... ولم يغرموا غرما، وقد غنموا غنما٥٠٠

وبات أبوهم من بشاشته أبًا ... لضيفهم، والأم من بشرها أما٥٠١

وهذه الأبيات تصور ما كان يعانيه الجاهليون سكان الصحراء من فقر وبؤس وجوع، وما كانوا يتمسكون به -مع هذا- من التفاني الشديد في إكرام الضيف مهما كانت حالتهم، ففي القيام بهذا الواجب سعادة كبيرة وسرور عظيم.

ولهذا كانوا يلبون نداء المكروب، ويحسنون استقبال النازلين، وبخاصة من كان في حاجة إلى رعاية وعناية، كمن يضل في الصحراء، أو تسوء ظروفه وأحواله، ومن أحسن ما ورد في ذلك قول عمرو بن الأهتم في رجل ضل الطريق ليلًا٥٠٢:

ومستنبح بعد الهدو دعوته ... وقد حان من نجم الشتاء خفوق٥٠٣

يعالج عرنينًا من الليل باردًا ... تلف رياح ثوبه، ويروق٥٠٤


٤٩٦ انساب: سار إليها بهدوء على أطراف أصابعه، من غير أن يحدث صوتًا. أظما: أشد ظمأ، وكان القطيع يسير إلى الماء، ليرتوي، فسار الرجل إليه، وهو أشد ظمأ إلى دمائه، متلهفًا على اقتناص شيء منه.
٤٩٧ تروت: ارتوت. الكنانة: جعبة السهام التي توضع فيها. انتظر الرجل حتى شربت الحمر، ثم أطلق من كنانته على واحد منها سهمًا.
٤٩٨ خرت: سقطت. النحوص: الأتان الوحشية. اكتنزت: امتلأت. طبقت شحمًا: أي امتلأت بالشحم.
٤٩٩ فيا بشره: فما أعظم سروره. كلمها: جرحها. يدمى: يسيل دمه.
٥٠٠ وباتوا سعداء بما قاموا به من واجب الضيافة، وما خسروا في ذلك شيئًا. وإنما كسبوا ثناء الضيف العاطر.
٥٠١ وقد شعر الضيف بأنه بين أبويه يمنحانه العطف. ويغدقان عليه حسن المعاملة ويبشان له، ويهشان في وجهه.
٥٠٢ المفضليات ص١٢٦.
٥٠٣ المستنبح: الرجل الذي يضل الطريق ليلًا فينبح لتجيبه الكلاب إن كانت قريبًا منه، فإذا أجابته تبع أصواتها، فأتى الحي، فنزل عندهم ضيفًا. النجم"هنا": الثريا، وذلك لأنها تخفق للغروب في جوف الليل.
٥٠٤ العرنين: الأنف، والمراد به هنا أول الليل. وبروق: أي كان البرق يلمع بكثرة.

<<  <   >  >>