للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن قومه، فإن ذكر ما أوقعه قومه بالأعداء ذكر ما حدث لقومه من الأعداء، وإن وصف بأس قومه وقوتهم وبطولتهم، وصبرهم، وثباتهم، وأسلحتهم وما قاموا به من أعمال وأمجاد، وصف الأعداء كذلك من هذه النواحي فكان الشاعر يتحدث في ذلك بما يقتضيه الحق والإنصاف، ولذلك سميت القصائد التي من هذا النوع "المنصفات" لأن الشاعر فيها ينصف الأعداء، ويعطيهم ما يستحقون، من ذلك ما ورد لعبد الشارق بن عبد العزى إذ يقول٥٤٦:

ردينة لو رأيت غداة جئنا ... على أضماتنا وقد اختوينا٥٤٧

فأرسلنا أبا عمرو ربيئًا ... فقال ألا انعموا بالقوم عينا٥٤٨

ودسوا فارسًا منهم عشاء ... فلم نغدر بفارسهم لدينا٥٤٩

فجاءوا عارضًا بردًا وجئنا ... كمثل السيل نركب وازعينا٥٥٠

تنادوا يالبهثة إذ رأونا ... فقلنا أحسني ضربا جهينا٥٥١

سمعنا دعوة عن ظهر غيب ... فجلنا جولة ثم ارعوينا٥٥٢

فلما أن تواقفنا قليلًا ... أنخنا للكلاكل فارتمينا٥٥٣

فلما لم ندع قوسًا وسهمًا ... مشينا نحوهم ومشوا إلينا٥٥٤


٥٤٦ ديوان الحماسة جـ١ ص١٦٩.
٥٤٧ على أضماتنا، الأضم: شدة الحقد. وقد اختوينا: أي لم نطعم شيئًا وكانوا يكرهون الطعام عند الحرب مخافة أن يطعن أحدهم في بطنه فيخرج منه الطعام فيكون ذلك عارًا. وجواب لولا محذوف لأن أبيات القصيدة مقصورة على بيان القصة والتقدير: لو رأيت غداة جئنا على أحقادنا لم نطعم شيئًا لرأيت أمرًا عظيمًا.
٥٤٨ الربيء والربيئة الطليعة وقوله: انعموا بالقوم عينًا بشارة لهم بقلة عدد عدوهم.
٥٤٩ ودسوا فارسًا: إلخ أصل الدس: إخفاء الشيء تحت غيره ثم استعمل هنا في إرسال الفارس سرًّا تحت الليل، يقول: وأرسلوا إلينا فارسًا في السر ليكشف لهم عن أخبارنا، فلم نحبسه عندنا ونقطع الأخبار عنهم لأن ذلك غدر بهم.
٥٥٠ العارض: السحاب المعترض في الأفق. والبرد: الذي فيه البرد بفتحتين. والوازع: الذي يرتب الجيش ويصلحه ويقدم ويؤخر. ومعنى تركب وازعينا: لا ننقاد لمن يريد ضبطنا من الجيش جميعًا.
٥٥١ تنادوا يا لبهثة: أي دعوا بهثة، وبهثة بطن من العرب، وجهينة كذلك، يقول: لما رأوا استصرخوا ببهثة فقابلناهم وقذفناهم بما يكرهون وقلنا: يا جهين أحسني فيهم الضرب والطعن.
٥٥٢ سمعنا دعوة إلخ يقال فلان فعل كذا بظهر الغيب أي فعله بمكان لا يرى ولا يبصر وأتاه خبر عن ظهر غيب أي انتهى إليه من شخص غائب، ويقال ارعوى فلان عن كذا إذا انكف عنه ورجع.
٥٥٣ فلما أن توافقنا أي وقف بعضنا مع بعض في الحرب وقوله أنخنا للكلاكل اللام فيه زائدة أو بمعنى على كما في قوله تعالى: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِين} أي عليه وقوله فارتمينا يريد أنهم تراموا بالسهام.
٥٥٤ فلما لم ندع إلخ، معناه لما رمينا ففنيت السهام وانكسرت القسي تقدمنا إليهم فتجالدنا بالسيوف.

<<  <   >  >>