للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مطلا على أعدائه يزجرونه ... بساحتهم زجر المنيح المشهر٥٨٨

وإن بعدوا لا يأمنون اقترابه ... تشوف أهل الغائب المتنظر٥٨٩

فذلك إن يلق المنية يلقها ... حميدًا، وإن يستغن يوما فأجدر٥٩٠

فهو يدعو بالقبح واللعنة على الصعلوك الفقير الذي ليس له حظ من المال، فيرضى بالاستكانة والمهانة، ويألف الكسل والخمول، ويكتفي في طعامه بأن يبحث في المهملات عن عظام اللحوم الملقاة المهملة فيأكل ما عليها من بقايا، أو يمتص ما بداخلها من نخاع، وإذا جاد عليه صديق بأكلة عد نفسه غنيًّا، ولا يهتم إلا بنفسه فلا يبالي بأولاده ومن عليه أن يعولهم، ويقضي ليله ونهاره في النوم على التراب والحصى، أو في خدمة ربات البيوت إذا تفضلن عليه بتكليفه بتنظيف البيوت، أو قضاء ما يحتجن إليه. لكن لله در هذا الصعلوك الشهم الأبي، فقلة المال في يده لا تؤثر على شخصيته وكرامته، بل إنه عزيز النفس مهاب، بعيد عن الدنايا، فوجهه وضاء، وجبينه مشرق، لما له في قلوب الناس من المهابة، ويحسب الأعداء له ألف حساب وحساب، مهما كانوا منه قريبين أو بعيدين؛ لأنه بطل شجاع، يملأ النفوس رهبة وفزعًا، فمثل هذا أهل للثناء والإعجاب، وهو في حياته ومماته جدير بالاحترام وحسن التقدير.

وكان الصعاليك مشهورين بالجري السريع، والهجوم الخاطف، والعراك العنيف، وانتهاز الفرص، وسرعة التصرف، ولكنهم كانوا يتمسكون بكثير من صفات البطولة والشهامة.

ومما يمثل سرعة الصعاليك في الجري ما يحكيه تأبط شرًّا عن نفسه حينما أسرته بجيلة ففر


٥٨٨ مطلًّا: مشرفًا. مطلًّا على أعدائه: يغزوهم دائمًا، كأنما ينظر إليهم من مكان عالٍ، فإذا وجد الفرصة سانحة انقض عليهم بالهجوم. يزجرونه: يصيحون به كما يزجر القدح إذا ضرب. المنيح: يقصد به هنا، قدح مستعار سريع الخروج والفوز، يستعار فيضرب ثم يرد إلى صاحبه. وقيل: إن المنيح قد تكثر به القداح، ولاحظ له. وهو أكثر القداح جولانًا؛ لأنه إذا خرج منها رد فيها، وإذا خرج منها غيره مما له حظ عزل عنها. وقيل إن هناك المنيح الذي تكثر به القداح، والمنيح الذي يزجر. المشهر: المشهور.
٥٨٩ يتشوف: يوجه عينه لينظر. يقول: إن بعد أعداؤه عنه لم يلهه بعدهم عن غزوهم، وهم لا يأمنون ذلك منه، فهم يتوقعونه في كل ساعة كما ينتظر أهل الغائب غائبهم متى يقدم، فأعينهم إليه يتشوفونه.
٥٩٠ حميدًا: أهل للثناء والمدح.

<<  <   >  >>