ويصطدمون بالصخر والجندل، وتغوص أقدامهم في الرمال، ونرى الطرق المطروقة، والسبل الملتوية، يضل عنها من لا خبرة له بها، ثم يلمح نار الكرم تناديه، أو ترشده وتهديه.
ونرى الفلاة أحيانًا يشتد بها الحر، فيكاد يذيب دماغ الضب، ويشتد البرد، وكان الزمهرير وتساقط الثلج، وإن جادت السماء، نزل الغيث، وجاء الخير، فانتشر الكلأ، وعلا الوجوه البشر، فيتسابق الناس إليه، وترى القبائل تتحرك مسرعة نحو الكلأ والعشب، وقد تضطر الظروف بعضها للنزوح عن مكانها، فتترك ديارها، وتبقى الرسوم والأطلال، مصدر اللوعة والحزن للصب، ومثار البكاء والدموع للمحب المتيم، بما توحيه من ذكريات لا تنسى.
وفيه نرى من ظواهر الطبيعة الصامتة، مسرى النسيم العليل رخاء، وهبوب الريح عاصفة، وتراكم السحب، ترعد وتبرق، ونزول الأمطار، طلا ووابلًا، ومجرى الماء، عذبًا سلسبيلًا، هادئًا خفيفًا، أو جارفًا عنيفًا ... ومنابع العيون غائرة سحيقة، تفيض في سحر ودلال. أو تجمعت في غدير، تداعب الرياح صفحته، فتقسمه طرائق تتراقص في رشاقة وجمال.
وبجانب صورة الطبيعة الصامتة، نرى في الشعر صور الحياة المتحركة، فنشاهد فيه ما في الصحراء من حيوان وطيور وحشرات: فنرى فيه الإبل تروح وتجيء، بين إمهال وإسراع، وجري، وإرقال، في السلم، وفي الحرب، وهي وسيلة لمواصلاتهم، وأداة لتنقلاتهم، ومصدر من مصادر الرزق والحياة، فتحمل أثقالهم إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وتفيض عليهم بالخير من لبن وشعر، فيشربون لبنها، ويتخذون من أوبارها ملابسهم يتقون بها الحر والبرد، وأثاث بيوتهم حيث يجدون الراحة والهدوء، فإذا ما عز القوت، ضحت بنفسها، فتقدم لحومها غذاءً شهيًّا لهم، فتحفظ عليهم حياتهم حية وميتة. وفيه نرى صورًا واضحة للفرس، وسيلة للصيد، تلك الرياضة المحببة، فتجلب الخير، وتوفر لهم وجبات شهية لذيذة، فإذا خيم الفزع وادلهم الخطر، كانت لهم الحصن المتين، فبها يقابلون الأعداء، ويقتلون المعتدين، ويلاقون الأبطال، ويهزمون الصناديد، فتدفع عنهم الكيد، وتفرج الكرب، وتحمي الشرف، وتعلي المنزلة، وتجلب الثراء والخير. ولأهمية الإبل والخيل في حياة العربي، عني بهما عناية تامة، وكان لهما أبلغ الأثر في إحساسه ومشاعره، فأجاد في