وصفها إجادة تامة، وأبدع في صورهما الشعرية أيما إبداع، حتى جاءت أوصافهما كاملة تامة الأجزاء من جميع النواحي.
كما نرى في الشعر صور النعام، والظليم، والظبي، والغزال، والأسد، والضبع، والذئب، والوعل، والبقر، والثور، والأتان، والضب، والغنم، والعنز، والكلب، والصقر، والعقاب، والغراب، والحمام، والقطا، والجراد، والحية، والعقرب، والنمل، والذر، وغير ذلك من الحيوانات التي تمرح في جو الصحراء الواسع الفسيح.
فإذا ما جاء الشعر إلى أولى ملهمات الشعر التي تفيض بالحياة والحيوية، وهي المرأة، نرى الشاعر الجاهلي يجيد في تصوير ما حباها الله به من جمال طبيعي، فتبدوا كأنها آلهة الجمال، أو أنها الجمال في تمثال.
ولئن بحثنا عن صور الحياة في الشعر الجاهلي فسوف نجدها واضحة جلية فيه، فالجاهليون كما يبدو في شعرهم، يعتزون بأنفسهم، ويشمخون بأنوفهم، يحمون الحمى، ويحفظون العرض والشرف، ويتباهون بالحفاظ على حقوق الجار، وإكرام الضيف، وإغاثة الملهوف، وإجابة الداعي، ويتفاخرون بالقوة والغلبة، وكثرة العَدد والعدد، فإذا ما ثارت نفوسهم -وكانوا سرعان ما يثورون- قامت الحرب، واشتعلت النيران، فتتجمع الجيوش، وتتلاحم الصفوف، وتدور رحى المعارك، وتتوالى الطعنات والضربات، فترى القتلى صرعى، والأرض مخضبة بالدماء، والجرحى يئنون، والأسرى في الأغلال، والسبايا يسقن في ذل وهوان، وتصبح النفوس الموتورة متأججة، والحقد قد تمكن في النفوس، والغيظ يكاد يقطع نياط القلوب، والأخذ بالثأر يعمي الأبصار، ويحيل الحياة ظلامًا، الهم يزداد، والألم يشتد لحظة بعد لحظة، وكل قد غفل عن نفسه، وأهمل شئونه، فلا يهتم بمظهره، وقد آلى على نفسه ألا يغتسل ولا يتنظف حتى تكف الهامة عن الصياح، وهكذا تقود المعركة إلى معارك، فتشاهدهم في نزاع مستمر، وعراك دائم، ولا يكفون عن الاستعداد للخطر على الدوام، فهم دائمًا على أتم الاستعداد لملاقاة الأخطار، الأسلحة تهيأ وتعد، والرماح تبرق، والسيوف تلمع، والقسي مشدودة، والسهام تملأ الكنائن. وفي المعركة يظهر الفرسان، والأبطال، الطعن شديد، والضارب عنيف، والدروع تحمي الصدور، والبيض تلمع فوق الرءوس، وميدان المعركة فوقه سحب من الغبار، وتظله العقبان، وعصائب الطير تهتدي