بعصائب متجهة نحوه، وقد نرى بعد ذلك صور الساعين في فداء الأسرى، والمتطوعين للصلح بين المحاربين.
كما أنه يرينا صورة للنزاع بين العشيرة الواحدة، وفيها التأثر الشديد بادٍ على وجوه القوم، إذ إن ذلك لا يعني إلا إهلاك العشيرة نفسها بنفسها، وتخريب بيوتها بأيديها، وهنا نرى قلوبهم تدمى حزنًا على ذويهم الذين تسيل دماؤهم على أسنة رماحهم، وظبات سيوفهم.
فإذا ما نحينا هذه الصورة الدامية جانبًا، رأينا في الشعر الجاهلي صورًا لأوقات الهدوء والدعة، وساعات الطمأنينة والأمن، فترى صور القوم يخرجون للصيد، على خيل كلها قوة ونشاط، ومعهم أدوات الصيد من عدد وحيوان، ثم يعودون ممتلئي الوفاض، هاشين باشين، بما غنموا من سمين الصيد ولذيذ الطعام.
كما يرينا القوم في مجتمعاتهم الخاصة والعامة، يتبادلون الآراء في الصالح العام، ويتشاورون فيما يهمهم من قضايا ومشكلات، أو يتسابقون في ميادين الفصاحة والبيان، أو يتحاكمون إلى ذوي العقل الحكمة، أو يتسامرون في أمسياتهم بالقصص والأخبار، أو يتجاذبون أطراف الحديث في الطرائف والملح والنوادر والآثار، أو يلهون في منتدياتهم باللعب واليسر، أو ينتشون بشراب الخمر واحتساء الأقداح، أو يرفهون عن أنفسهم بأنواع الطرب والغناء، وغير ذلك مما يسري الهم، ويبعث فيهم الراحة والإحساس بالجمال ومتعة الحياة.
هذا عدا الصور الرائعة التي نرى فيها القبيلة في مجتمعها ملتفة حول رئيسهم يتباحثون في شتى نواحي القبيلة السياسية والاجتماعية، أو يستمعون إلى كبيرهم، يبصرهم بالحياة، ويفيدهم من تجاربه، أو من معلوماته وثقافته، التي ألم بها عن طريق عقله الواسع، وإدراكه القوي، ونظره البعيد.
وإذا اتجهنا نحو الشعر الجاهلي لنرى كيف صور المثل العليا للعرب، نجد فيه صورًا واضحة لحبهم للإغاثة. والنجدة، والإسراع إلى إجابة الداعي، وتعظيمهم للوفاء، والقيام بما تقتضيه المعاهدات من واجبات والتزامات، وإعجابهم بالصمود أمام الخطر، وملاقاة الأعداء في رباطة جأش، وحماية اللاجئ، ورعاية حق الجار، والمحافظة على أهله وشرفه وبيته، وإكرام الضيف، وهداية الضال، والإيثار حين ترغم الشدائد الناس على الأثرة. والشعر الجاهلي يصور فقر الصحراء المدقع في كثرة الغارات والحروب طمعًا في الغنائم وفي