للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تداولتها التجارة القديمة. وإلى هذه البلاد ترد الحاصلات الغالية والمرغوبة، فكان يرد اللؤلؤ من خليج العجم والأنسجة والسيوف من الهند، والحرير من الصين والأرقاء والقرود والعاج وريش النعام والذهب من الحبشة، وكانت جميعها تجد طريقها إلى أسواق بلاد العرب٢.

فحيثما وجدت الزراعة كان الخير الكثير، والحياة المستقرة، فأقام الناس بين مزارعهم، وجعلوا مساكنهم ثابتة في وسطها، فنشأت هناك القرى والمدن. أما التجارة، فكان هناك من السكان من اشتغل بها، وقد مر ذكر هذه الطرق التى كانت تسلكها القوافل التجارية من أطراب شبه الجزيرة العربية وعبرها، "وكان الجزء الجنوبي من بلاد العرب بلد اللبان والطيب والبهار، وكان سكانه همزة الوصل بينهم وبين أسواق الهند وبلاد الصومال"٣ وقد تهيأت للمملكة أسباب سياسية ودينية واقتصادية جعلتها مركزًا هامًّا للتجارة في الجاهلية، فكان يوجد في شبه الجزيرة العربية طريقان عظيمان للتجارة بين الشام والمحيط الهندي، إحداهما تسير شمالًا من حضرموت إلى البحرين على الخليج العربي، ومن ثم إلى صور والثانية تبدأ من حضرموت أيضًا، وتسير محاذية للبحر الأحمر، متجنبة صحراء نجد وهجيرها ومبتعدة عن هضاب الشاطئ ووعورتها، وعلى هذه الطريق الأخيرة تقع مكة في المنتصف تقريبًا بين اليمن وبطرة.

وكان اليمنيون ينقلون غلات حضرموت وظفار، وواردات الهند إلى الشام ومصر، وبعد أن انحط اليمنيون حل محلهم عرب الحجاز حوالي القرن السادس الميلادى، فكان الحجازيون يشترون السلع من اليمنيين والحبشيين ويبيعونها على حسابهم في أسواق الشام ومصر. وكانت مكة قاعدة لعرب الحجاز، وعندما اشتدت العداوة بين الروم والفرس اعتمد الرومانيون إلى حد كبير على تجارة مكة.

وكانت السلع التي تتاجر فيها قريش: الأدم والزبيب والصمغ والطيب والتبر والحرير والبرد اليمانية والثياب العدنية والأسلحة ومصنوعات الحديد، والذهب من معدن بني سليم، والسلع المستوردة من إفريقية والهند والشام وحوض البحر المتوسط، ومن المنسوجات النفيسة


٢ فيليب حتى، جـ١ ص٦٣.
٣ تاريخ العرب لفيليب حتى، جـ١ ص٥.

<<  <   >  >>