للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغالية التي استوردها التجار لبلاد العرب: الديباج والإستبرق والسندس٤ التي كان يتنافس الأغنياء وذوو الثراء والجاه في اقتنائها.

وكان في مكة البيت الحرام الذي يقدسه جميع العرب، وكانت قريش سدنة هذا البيت، يقومون بالعناية به والمحافظة عليه، فأكسبهم ذلك احترامًا عظيمًا فكانت لهم منزلة سامية في نفوس العرب جميعًا، ومما كان له أثر كبير في تحسين مركزهم التجاري العظيم، كما أن زمزم كانت تفيض بالقرب من مكة ماءً سلسبيلًا، مما جعلها مركزًا هامًّا للقوافل التجارية، فكانت القوافل تستقي منها، وتأخذ حاجتها من الماء، فنشطت التجارة في مكة نشاطًا عظيمًا، واشتهرت قريش بها، وأثرت بسببها ثراء عظيمًا، حتى إن صاحب لسان العرب قال: إنها سميت بهذا الاسم، لأنهم كانوا أهل تجارة، من قولهم "فلان يتقرش المال" أي يجمعه، وامتن الله عليهم بهذا الثراء وما كانوا فيه من أمن بقوله تعالى: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} . فكان لهم رحلة في الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى بلاد الشام، ولم تكن قريش تستورد التجارة لتخزنها في مكة وحدها، فمكة وحدها بلد صغير، لا تستوعب أسواقها هذه التجارات، بل كانت تستوردها من الشمال والجنوب لتصرف ما يمكن بيعه في أسواق مكة وهو القليل، ولتصدر -وهى الغالب- ما استوردته من الجنوب إلى الشام، ولتصدر ما استوردته من الشام إلى اليمن، ومنها إلى بقية العربية الجنوبية والسواحل الإفريقية المقابلة، فتستفيد من هذه الصفقات ربحًا حسنًا٥.

فحيثما كانت توجد موارد الرزق الثابتة من الزراعة أو التجارة عاش القوم على ما ينتج لهم من ذلك، واستقروا فأقاموا القرى والمدن.

أما الصناعة فكانت قليلة وعلى شيء يسير، ولكن حيثما وجدت كانت تقام البيوت الثابتة وتنشأ القرى، كما يحكى الهمداني عن صعدة مثلًا، فيقول: "قال بعض علماء العراق:


٤ الديباج: يعد من أثمن أقمشة الحرير، ويظهر أنه دخل بلاد العرب عن بني إرم، أو من الساسانية رأسًا، وقد ذكر علماء اللغة أن اللفظة أعجمية، غير أن العرب تكلموا بها قديمًا فصارت عربية. والديباج الخسرواني من أحسن أنواع الديباج. أما الإستبرق فهو الديباج الغليظ، وهو من الألفاظ الفارسية المعربة، وكذلك السندس، وهو رقيق الديباج ورفيعه "جواد علي جـ٤ ص ١٧٥".
٥ جواد علي. جـ٨ ص ١٤٦.

<<  <   >  >>