للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البشرية مما يدل على شدة اليقظة، وحدة الفطنة، وحسن الاستفادة من نواميس الطبيعة وطبائع المخلوقات، ومن أشهر حكمائهم حاجب بن زرارة، والأقرع بن حابس، ومجاشع بن دارم، وسليط بن كعب بن يربوع، ولؤي بن غالب، وقس بن ساعدة، وقصي بن كلاب، وعامر بن الظرب العدواني، وأكثم بن صيفي.

وكانت أجيال الأدباء، وبخاصة الشعراء، تعكف بشغف ونهم على آثار سابقيهم من العلماء والأدباء والحكماء، إحاطة وشمولًا، ودراسة وفهمًا وحفظًا، لتغذية مواهبهم وتقوية ملكاتهم فكانوا طبقة مثقفة ممتازة، ولذلك نبغ منهم كثير في صغر سنهم كطرفة ولبيد. وقد عودتهم ظروف الحياة الاعتماد على قوة الملاحظة، ودقة التمييز بين كثير من الأشياء المتشابهة فتكونت لديهم الفراسة أو القيافة، وهي الاستدلال بأشياء ظاهرة على أمور خفية كالاهتداء بآثار الأقدام على أربابها، وكانوا يميزون بين آثار كل من الرجل والمرأة، والشيخ والشاب، والبصير والأعمى، والأحمق والكيس، وكذلك كانوا يفعلون في الحيوان، وتوسعوا في هذه المعرفة فكانوا يستدلون بهيئته وأعضائه على نسبه، وكانوا ينظرون إلى أشخاص مجهولي النسب، فيلحقون كلا منهم بعشيرته، وتروى لهم في ذلك حكايات عجيبة أقرب ما تكون إلى الخيال٣ ويقال إن عرب اليمن كانوا أوفر حظًّا في الفراسة.

وساعدت الظروف التي عاشوا فيها على كثرة الغارات والحروب. فتكونت لديهم خبرات عملية عن القتال وأدواته وبخاصة الرماح والسيوف والقسي والسهام، والدرع والترس والبيضة، وحركات الكر والفر، والطعن والضرب والرمي، وغير ذلك من فنون القتال: وشعر الحرب خير شاهد على ما كان لديهم من قدرة على اتزان التفكير وحسن التصرف في الظروف الحرجة والأوقات العصيبة٤.

وقد كانت بلاد العرب محاطة بالبحار كما سبق أن أشرنا إلى ذلك، ومن ثم كان منهم من يسكن على سواحل: بحر القلزم في الغرب، وبحر الهند في الجنوب، وبحر العرب في الشرق، ولا شك أن سكان هذه السواحل من العرب كانت لهم صلة وثيقة بالبحر فاشتغلوا بالصيد، والتجارة مع الهند والحبشة والروم وغيرهم، فكانت الحاجة ماسة إلى ركوب البحر، ولهذا


٣ راجع بلوغ الأرب، جـ٣ ص٢٦١ وما بعدها، نقلًا عن كتاب الذريعة لأبي القاسم الأصفهاني، وكتاب أعلام النبوة للماوردي. وكتاب مفتاح السعادة لابن القيم.
٤ راجع شعر الحرب للمؤلف.

<<  <   >  >>