الحاكم إلى نيف وعشرين وأربعمائة، وظهرت بامتداد عمره بركة إسناد الأصم، حتّى أفاد الخلق الكثير، والجمَّ الغفير بالسماع منه، وصارت حياته تاريخًا في إسناده، وكان من أصح أقرانه سماعًا، وأوفرهم إتقانًا، وأشرفهم أصلًا ونسبًا، وأكثرهم حرمة، وأتمهم ديانة واعتقادًا، وأعمِّهم بركة وفائدة جده سعيد بن عبد الرّحمن الحَرَشي كان خليفة عبد الله بن عامر بن كريز على خراسان، وجده الآخر بعده أبو عمرو شيخ بنيسابور في عصره في الرئاسة والمروءة والعدالة والتحديث، وهو من أولاد عثمان بن عفان من قبل أمه، فلذلك يقال له: العثماني، وبيته بيت العلم والتزكية، تفقه على الأستاذ أبي الوليد القرشي، وعقد له مجلس النظر في حياة الأستاذ، قرأ الأصول على جماعة من أصحاب الأشعري، وصنف في الأصول والحديث، وكان نظيف النفس نقي الطّهارة، مبالغًا في الاحتياط، مائلًا من شدة الاحتياط إلى الوسوسة، قلد التزكية بنيسابور مدة، ثمّ قلد القضاء بعده، وخرج له الحاكم أبو عبد الله "الفوائد" سنة اثنين وسبعين وثلاثمائة، ثمّ خرج له أبو عمر البحيري وعقد مجلس الإملاء سنة اثنين وثمانين وثلاثمائة، فحدث نحوًا من خمسين سنة، وسمع بنيسابور، وبجرجان، وببغداد، وبالكوفة، وبمكة، وبقي كذلك محدث عصره إلى أنّ توفي في شهر رمضان إحدى وعشرين وأربعمائة، وكانت ولادته سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وكان وقت وفاته ابن سبع وتسعين سنة، وأملى أربعين سنة، أصابه وقر في أذنه في آخر عمره، وكان يُقرأ عليه مع ذلك ويحتاط في السماع إلى أنّ اشتد ذلك قريبًا من سنتين أو ثلاث، فما كان يحسن أنّ يسمع، وكل من سمع قبل ذلك فهو صحيح السماع منه لشدة احتياطه. وقال