الفقيه في ذكر أبي عثمان الصابوني: إنّه ذكر أبا منصور المتكلم، قال أبو علي: وكنت قد أهملت ذكر اسمه ونسبه اعتمادًا على شهرته، فقال لي أبو عثمان: قيد ذكره بإثبات اسمه، وأَزِلِ الشبهة عن فضله، وأَثْبِت فوق الكنية عبد القاهر بن طاهر لئلا يظن أنك أردت أبا منصور الآخر، فكأنّه أشار إلى خلاف في الاعتقاد كان بينهما، ومهما نفيت الاحتمال والشركة، ورفعت الظن والشبهة بأن أني أردت ببياني أبا منصور البَغْدادي، ثمّ قال أبو عثمان الصابوني: كان من أئمة الأصول، وصدور الإسلام بإجماع أهل الفضل والتحصيل، بديع التّرتيب غريب التآليف والتهذيب، يراه الحيلة صدرًا مقدمًا، ويدعوه الأئمة إمامًا مفخمًا، ومن خراب نيسابور أنّ اضطر مثله إلى مفارقتها إلى حيث خلق منه. وقال أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الفقيه: لما حصل أبو منصور بإسفرايين ابتهج النَّاس بمقدمه إلى الحدّ الّذي لا يوصف، فلم يبق إِلَّا يسيرًا حتّى مات، واتفق أهل العلم على دفنه بجنب أبي إسحاق إبراهيم بن محمَّد المتكلم الإسفراييني، فقبرا هما متجاوران تجاور تلاصق، كأنّهما نجمان جمعهما مطلع، وكوكبان ضمهما برج مرتفع، وإنّما انتقل إلى إسفرايين؛ لأنّ حالها كان بعد متماسكًا بعض التماسك. وقال أبو المظفر الإِسْفَرايِيْنِي في كتابه "التبصير في الدِّين": ولو لم يكن لأهل السُّنَّة ولا جماعة من مصنف لهم في جميع العلوم على الخصوص والعموم إِلَّا من كان فرد زمانه، وواحد أقرانه؛ في معارفه وعلومه وكثرة الغرر من تصانيفه، وهو الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمَّد البَغْدادي التميمي -قدس الله روحه-، وما من علم من العلوم إِلَّا وله فيه تصانيف، ولو لم يكن له من التصانيف إِلَّا كتاب "الملل والنحل في أصول الدِّين"،