وهو كتاب لا يكاد يسمح في خاطر بشر أنّه يتمكن من مثله لكثرة ما فيه من فنون علمه، وتصانيف في الكلام، والفقه، والحديث، والمقدرات الّتي هي أم الدقائق تخرج عن الحصر، لم يسيق إلى مثل كتبه في هذه الأنواع مع حسن عبارته، وعذوبة بيانه، ولطافة كلامه في جميع كتبه. وقال عبد الغافر الفارسي في "السياق": الأستاذ الإمام الكامل، ذو الفنون الفقيه الأصولي الأديب الشاعر النحوي، الماهر في علم الحساب، العارف بالعروض، ورد نيسابور مع أبيه أبي عبد الله طاهر، وكان ذا مال وثروة مروءة، وتفقه على أهل العلم والحديث، وابنه أنفق ماله على أهل العلم حتّى افتقر، صنف في العلم، وأربى على أقرانه في الفنون، ودرّس سبعة عشر نوعًا من العلوم، وكان قد درس على الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، وأقعده بعده في مسجد عقيل للإملاء مكانه، وأملى سنين، واختلف إليه الأئمة فقرؤوا عليه مثل: الإمام ناصر المروزي، وأبي القاسم القُشَيرِي، وغيرهما، وخرج من نيسابور في أيّام التركمانية وفتنتهم إلى إسفرايين فمات بها. وقال الإمام فخر الدِّين الرازي في كتاب "الرياض المُؤنقة": كان -يعني أبا منصور- يسير في الرَّدِّ على المخالفين سَيْرَ الآجال في الآمال، وكان علامة العالم في الحساب والمُقدَّرات، والكلام والفقه والفرائض وأصول الفقه، ولو لم يكن له إِلَّا كتاب "التكملة في الحساب" لكفاه. وقال ابن الصلاح في "طبقاته": كان كشيخه الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني في نصر طريقة الفقهاء، والشّافعيّ في أصول الفقه في الأغلب، وهما من المتكلمين الناصرين لقول الشّافعيّ -رحمه الله -: لا يجوز نسخ الكتاب بالسُّنَّة، مع أنّ أكثر أضرابهما المتكلمين من الشّافعيّة جُبنوا عن نصرة المذهب في هذه المسألة.