مستنكر في العَقل أن يكون الباري سبحانه يخرق العادات عند النّطق بكلام ملفّقٍ أو تَركِيبِ أجسَامٍ أو المزج بين قوًى على ترتيبٍ مالا يعرفه إلاّ السّاحر ومن شاهد بعض الأجسام منها قتّالة كالسّموم ومنها مسقّمة كالأدوية الحادّة، ومنها مصحّة كالأدويةِ المضادّة للمرض لم يبعد في عقله أن ينفرد السّاحر بعلم قوًى قتّالة أو كلام مهلك أو مؤدّ إلى التّفرقة.
وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث من طريق ثابتة (٩) وَزَعَموا أنّه يحطّ مَنصِب النُّبوة ويشكّك فيها وَكلُّ مَا أدَّى إلى ذلك فهو بَاطل وزَعَموا أن تجويز هذا يعدم الثقّة بما شرعوه من الشرائع ولعله يتخيل إليه جبريل -عليه السلام- ولَيس ثمّ ما يراه أو أنّه أوحى إليه وَمَا أوحِيَ إلَيه وهذا الذي قالوه باطل وذلك أنّ الدّليل قد قام على صدقه فيما يبلّغه عَنِ الله سبحانه وعلى عصمته فيه والمعجزة شاهدة بصدقه وتجويزُ ما قام الدّليل على خلافه باطل، ومَا يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بِسَبَبِهَا ولا كان رسولا مفضّلا من أجلِهَا هو في كثير منه عرضة لما يعتِرض البشَر فَغير بعيد أن يخيّل إليه في أمور الدّنيا ما لا حقيقة له، وقد قال بعض النّاس إنَّما المراد بالحديث أنّه كان يخيّل إليه أنه وطِىءَ زوجاتِهِ وليس بواطىء وقد يَتَخَيَّل في المنام للإنسان مثل هذا المعنى ولا حقيقة له فلا يبعد أن يكون - صلى الله عليه وسلم - يَتَخَيَّله في اليقظة وإن لم يكن حقيقةً وقال بعض أصحابنا يمكن أن يكون يُخيَّل إليه الشيء أنّه فعله وما فعله ولكنه لا يعتقد ما تخيّله أنّه صحِيح فتكون اعتقاداته كلّها على السَّداد فلا يبقى لاعتراض الملحد طريق وإذا ثبت السّحر فاختلف النّاس في القدر الذي يقع عن السّحر ولهم في ذلك اضطراب كثير، وقد رأيت بعض النّاس ذهب إلى أنّه لا يبلغ الأمر فيه