للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الشيخ: هذا تجوّز وتوسّع كما يقول القائل: فلان في قبضتي وبكفّي، ولا يريد أنه حالٌّ بكفه وإنما المراد أنه تحت قدرتي وكذلك يقال: ما أفعل هذا إلاّ بإصبَعِي أو فلان بين إصبَعَيَّ أصرفه كيف شئت ولا يريد أنه حال بين الإصبَعَين وإنّماَ يريد أنّه هَيِّن عليه القَهرُ له والغَلَبَة وتصريفه كيف شَاء فكذلك المراد بقوله "إصبَعَيِن من أصابع الرّحمن" أي أنه متصرف بحسب قدرته ومشيئته سبحانه وتعالى لا يعتاص عليه (١٢) ولا يفوته ما أراد منه كما لا يعتاص على الإنسان ما كان بين إصبَعَيه ولا يفوته وخاطَب العرب من حيث تَفْهم ومثّل بِالمعاني المحسوسة تأكيدا للمعاني في نفوسها فإن قيل: فإن قدرة الله سبحانه واحدة والإصبَعَان ها هنا اثنان. قيل: قد أخْبَرْنَا أن ذلك مجاز واستعارة وتمثيل فوقع الكلام على حسب ما اعتادوه في هذا الِخطَاب غير مقصود منه إلى تثنية أو جمع، ويحتمل أن يراد بالإصبَع ها هنا النعمة ويقال: عندي لفلانٍ إصبَع حسنة أي يد جميلة (١٣) ولكن يقال على هذا فَلِم ثنّى النّعمة وَنِعَم الله لا تحصَى؟ قيل: لا تحصى آحادها والأجناس قد تحصى فيكون المراد بالنعمتين اللّتين عبر عنهما بالأصبعين نعمة النفع ونعمة الدفع فنعمة النفع هي الظاهرة ونعمة الدفع هي الباطنة. وقد قيل في قوله تعالى {وَأسبَغ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرة وَبَاطِنَةً} (١٤) إِن الظاهرة نعمة النفع والباطنة نعمة الدفع وقلب العبد للباري سبحانه عليه نعمة نفع ونعمة دفع فلا يبعد ان يراد بالنعمتين هاتان أو غَيرهما من الأجناس التي تليق بِهَذا.


(١٢) في (أ) لا يعتاض عليه، وكذا فيما سيأتى.
(١٣) في (ب) اي يد جَمُلَتْ.
(١٤) ٢٠) لقمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>