الترمذي والنسائي وأبي داود من قوله:"البيعان بالخيار ما لم يفترقا، إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله ولو كان له الفسخ قبل التفرق جبرًا لم يحتج إلى أن يستقيله. ولا وجه لحمل الاستقالة على الفسخ لأن ذلك بعيد عن مقتضاها في اللسان ولأنه أيضًا إذا قال أحدهما لصاحبه: اختر، فاختار، وجب البيع. ولا فرق بين هذا الالتزام الثاني والالتزام الأول لأن المجلس لم يفترقا عنه، فإذا وجب بالقول الثاني وجب بالقول الأول. واعتذر آخرون بأن قالوا: العمل إذا خالف الحديث وجب الرجوع إلى العمل لأن من تقدم لا يتهمون بمخالفة هذا الحديث الظاهر، إلا أنهم علموا الناسخ له فتركوه لأجله. وقال الآخرون: لعل المراد به الاستحثاث على قبول استقالة أحد المتبايعين وإسعاده بالفسخ وتكون الإِقالة في المجلس سنة بهذا الحديث وبعد الافتراق من المجلس تفضلاً واستحبابًا.
وهذه التأويلات عندي لا يصح الاعتماد عليها. أما استعمال التفرق في الأقوال فلا شك أن استعماله في الأبدان أظهر منه، والأخذ بالظاهر أولى، وأيضًا فإن المتساومين لم يكن بينهما عقد ولا إيجاب ويُعْلَم أنهما بالخيار. وإنما يعلم الخيارُ بعد الإِيجاب بهذا الحديث. وأما قول بعض (٥٢) أصحابنا: إنه مخالف للعمل فلا يُعَوَّلُ عليه أيضًا لأن العمل إذا لَمْ يُرَدْ به عمل الأمة بأسرها أو عَمَلُ من يجب الرجوع إلَى عمله فلا حجة فيه لأن قصارى ما فيه أنْ يقول عالم لآخر: اتْرك عِلمك لعلمي. وهذا لا يلزم قبوله إلا ممن تلزم طاعته في ذلك. وكذلك حمل هذا على الندب بعيد لأنه نص على إثبات الخيار في المجلس من غير أن يذكر استقالة ولا علق ذلك بشرط.
وأمْثل ما وقع لأصحابنا في ذلك عندي اعتمادهم على قوله: "ولا يحل لَهُ أن يفارق صاحبه" خشية أن يستقيله فإن الاستقالة فيما قالوه أظهر منها