لحاجتهم إليه". وعند أبى حنيفة أنها إعطاء الثمر هبة كما قال مالك، ولكنه يرى أن للواهب أن يرجع في هبته قبل القبض ولا يلزمُهُ إياها وكأنها باقية على ملكه فاسترجع ملكه وأعطى للمَوْهُوب المرتجَع منه تَمْرًا تفضلا منه وهبةً أُخرى.
وهذا الذي قاله ساقط من وجوه، لأن ذلك لا تحريم فيه على أصله فيعبر عنه بالرخصة، فَإنْ قيل: إنّما عبر عن ذلك لارتجاعه هبته. قلنا: الهبة عندكم لا تلزم والإِنسان ليس بَممنُوع أن يرجع فيما لا يلزم على أن الترخيص بعد ذكر المزابنة وتفسيرها بأنها بيع الثمر بالتمر يشعر بأن فيها معنى من هذا الممنوع. وعلى أصلهم لا معنى فيها من هذا الممنوع، وقد وقع في بعض الطرق رخص في بيع العرايا فسمي ذلك بيعا. وعلى أصلهم ليس هناك بيع إذ لا يبيع الإِنسان ملكه بملكه، وأيضًا فإنه حدد الرخصة بخمسة أوْسُقٍ أوْ دُونَهَا ولا معنى للتحديد على أصلهم لأن للإِنسان عندهم أن يَرْتَجِعَ الهبة قلَّت أو كثرت.
وقد اختلف أهل اللغة في هذه التسمية فَقَال بَعْضُهُمْ: ذلك مأخوذ من عروت الرجل، إذا أتَيْتَه تَسْأل معروفه، فأعراه نخلة على هذا أعطاه ثمرها فهو يَعْروها، أي يأتيها ليأكل ثمرها. وهم يقولون: سألني فأسألته وطلبني فأطلبته؛ فعلى هذه الطريقة وهي التِى فسرها بها بعض أهل العِلْمِ وهي التي صوَّب أبو عبيد في التفسير، وهو من أئمة اللغة، يتضح صحة ما قاله مالك لأن ما قاله الشافعي وأجازه ليس فيه هبة ولا عطية، وقال بعض أهل اللغة: إنها مأخوذة من كون المُعْرِي قد أخلى ملكه عنها وأعراها ملكه؛ وعلى هذا يصح (٨٣) صرف العرية إلى إخلائه ملكه من الثمر أو من بعض الشجر ويكون لما قاله الشافعي على طريقة هؤلاء في الاشتقاق وجه. ويؤكد الشافعي أيضًا ما قاله بما ذكرناه من التفسير الذي حكاه مسلم في كتابه.