للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بيع سلعته، وهذا مَلَك (١٧) ثمنه في هذه الذِّمَّة فلا يجبر على بيعه بذمّة أخرى، فدل هذا الاستدلال على أن المراد بالحديث الندب، وأكد هذا الاستدلال دلالة مجردةً عند من قال: إنه على الندب، أو نقله إلى الندب بهذه الدلالة من يقول: إن الأمر على الوجوب.

وأما الفصل الثاني: فإن اشتراط رضى المحال عليه لا يعتبر عند أبي حنيفة والشافعي، أطلقا ذلك من غير تفصيل. وقال الإِصطخري: بل يعتبر رضى المحال عليه. وقال مالك: لا يعتبر رضاه إلا أن يكون المحال عليه عدوًّا لَهُ أو من تضر به حوالته عليه فلا يجبر على تمكينه من مطالبته. والرد على الإِصْطَخْرِي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وَإذَا أُتْبعَ أحَدُكُمْ عَلَى مليء فَلْيَتْبَعْ" ولم يشترط رضى المحال عليه. وقياسا على ما لو وكَّلَ أحَدًا يقبض دينه فإن ذلك لا يعتبر فيه رِضَى المُوَكَّلِ عَلَيْه. ووجه اشتراط مالك ألا تكون عداوة إذْ في إحالة عدوه عليه إضرارًا به ولم يعامَلْ على ما يُؤذيه ويُضر به فكان من حقه أن يَمنع من ذلك.

وَأمّا الفَصْلِ الثالث: فإن ذمة المُحيل تَبْرَأُ على الإِطلاق عند الشافعي، ولا تبرأ عند زُفَر. ومَالِكٌ يشترط في البراءة ألا يكون غرّه مِنْ فلس المحال عليه. وتوجيه ما قاله مالك ينتظم الردَّ عَلى المَذْهَبَيْنِ، فوجه ما قاله مالك أن الحوالة كالبيع فلهذا جعلت رخصةً من الدين بالدين والبيع ينقل الأملاك ويبرّأ (١٨) كل واحد من المتعاملَيْن إلا عند الاطلاع على ما يوجب التراجع كالاستحقاق في المبيع أو العيب. فإذا كان هذا قد باع ذمة بأخرى لم يكن له رُجوعٌ علي مبايعه إلَاّ أن يطلع على أنه غرّه وخدعه وأحاله على فقير يعلم فقره ويخفى على المحال فيكون ذلك عيبا يوجب له الرجوع.


(١٧) في (أ) "إشارة إلى مخرج لم يظهر في الصورة.
(١٨) في (ب) و (ج) "ويُبرى".

<<  <  ج: ص:  >  >>