للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فاعْلَمْ أن الاشتباه هو الالتباس وإنما يطلق في مقتضى هذه التسمية ها هنا على أمْرٍ مَّا أشبه أصلاً مّا ولكنه مع هذا يشبه أصلاً آخر يناقض الأصل الآخر فكأنه كثرت أشباهه فقيل: اشتبه بمعنى اختلط حتى كأنه شيء واحد من شيئين مختلفين، فإذا أحطتَ بهذا علما فيجب أنْ تَتطَلَّب هذه الحقيقة فنقول: قد تكون أصول الشرع المختلفة (٥٨) تتجاذب فرعا واحدا تجاذبًا متساويا في حق بعض العلماء ولا يمكنه تصور ترجيح، ورده لبعض الأصول يوجب تحريمه، ورده لبعضها يوجب تحليله فلا شك أن الأحوط ها هنا تجنب هذا ومن تجنبه وصف بالورع والتحفظ في الدين، وما أحد من المسلمين يعيب فاعل هذا بل المعلوم انطلاق الألسنة بالثناء عليه والشهادة له بالورع إذا عرف بذلك.

وقد سئل مالك عن خنزير الماء فوقف فيه. وكان شيخنا -رحمه الله- يقول: لما تعارضت الآي عِنْده ونظر إلى عموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} (٥٩) فخاف أن يدخل في عمومه فيحرمَ ونظر إلى عموم قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} (٦٠) وأمكن عنده أن يدخل في عموم هذه الآية فيحل ولم تظهر له طرق الترجيح الواضحة في أن يقدم آية على آية وقف فيه (٦١). ومن هذا المعنى أن يعلم أصل الحكم ولكنه يلتبس وجود شرط الإِباحة حتى يتردد بينه وبين شرط التحريم، وذلك أن الإِنسان يحل له أن يأكل ملكه أو ما في معناه مما أبيح له تملكه، ويحرم عليه أكل ملك غيره أو ما في معناه. وقد وجد النبيء - صلى الله عليه وسلم - تمرة ساقطة فترك أكلها واعتلّ بأنه لولا أنَّه يخاف


(٥٨) في (أ) بعد "المختلفة" إشارة للرجوع إلى الهامش لكنه قد أخفي بسبب الإِصلاح.
(٥٩) (٦٠) المائدة.
(٦١) في (ج) "فوقف".

<<  <  ج: ص:  >  >>