للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد اختلف الناس في محل العقل من الإِنسان، فمذهب بعض الأئمة من المتكلمين أنه في القلب وإليه صار جمهور الفلاسفة. ويحكى عن أرسطاطاليس وهو رئيس الفلاسفة، وقالت الأطباء: إنه في الدماغ، ويحكى هذا عن أبي حنيفة. وقد احتج بعض الأيمة من المتكلمين على أنه في القلب بقوله سبحانه وتعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} (٨٣) الآية. فأضاف العقل إلى القلب وقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} (٨٤). واحتجوا أيضا بهذا الحديث وقد جعل النبيء - صلى الله عليه وسلم - صلاح الجسد كلِّه وفساده كلِّه تابعا للقلب، والدّماغُ من جملة الجسد، فاقتضى ظاهر الحديث كون فساده وصلاحه تبعًا للقلب. وهذا يدل على أنه ليس بمحلّ للعقل.

وأمَّا الأطباء فإنما عُمْدَتُهُمْ على أن الدماغ يفسُد فيفسُد العقل ويكون منه الصرع والهَوَس عندهم. ويتغير مزاجه فيتغير العقل ويكون منه عندهم المالنخونيا (٨٥) وغير ذلك من العلل التي يسمونها، فاقتضى ذلك عندهم كون العقل في الدماغ. ولا حجة لهم في هذا لأن الله سبحانه قد يُجري العادة بفساد العقل عند فساد الدماغ وإن لم يكن العقل فيه لا سيما على أصولهم في الاشتراك الذي يذكرونه في كتبهم بين الدماغ والقلب (نعم وهم) (٨٦) يجعلون بين رأس المعدة والدّماغ اشتراكا وينصون (٨٧) في كتبهم على أن المالنخونيا على قسمين:


(٨٣) (٤٦) الحج.
(٨٤) (٣٧) ق.
(٨٥) في (ب) "الماليخونيا" وكذا فيما بعد، ومثل ذلك في (ج)، وعلى الياء سكون.
(٨٦) ما بين القوسين ساقط من (ب).
(٨٧) "يتصدّق" كذا في (ج).

<<  <  ج: ص:  >  >>