نوع من مشي الحيوان ذي الأرجل مشيًا سريعًا، وإنما تنقل الشمس تنقل دحرجة وتقلقل، وأطلق عليه الجري بعظيم أبعاد المسافات التي تقطعها الشمس.
فللتوفيق بين معاني القرآن وقواعد العلوم يتعين حمل الجري في هذه الآية على تنقل الشمس في فلكها الذي تتم به دورة العام الشمسي؛ لأن إسناده إلى الشمس إسناد حقيقي والأصل في الإسناد الحقيقة، وهذا هو المناسب لقرنه بمنازل القمر في الجملة المعطوفة لقوله تعالى:{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ}[يس: ٣٩]، فإن منازل القمر ثمان وعشرون منزلة يتنقل في دائرتها من مبدأ إلى نهاية في مدة شهر قمري، وهو نظير تنقل الشمس في دائرة بروجها في مدة عام شمسي.
وعبر بالفعل المضارع في قوله:{تَجْرِي} لإفادة تكرر هذا الجري وتجدده.
واللام في قوله تعالى:{لِمُسْتَقَرٍّ} بمعنى (إلى) مثل اللام في قوله تعالى: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى}[الزمر: ٥]، ألا ترى أن نظيره في سورة لقمان:{كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}[لقمان: ٢٩]، بحرف (إلى).
والمستقر مصدر ميمي بمعنى الاستقرار، أي: انتهاء الجري والسير، فالاستقرار ملازمة المكان فإن السائر إذا انتهى سيره يقال: إنه استقر، كما قال راشد السلمي:
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عينًا بالإياب المسافر