باختلاف الاجتهاد في وسائل المقصد، وربما اقتضى حال الزمان أن يكون المجدد متعددًا في الأقطار بأن يقوم في أقطار الإسلام مجددون دعوتهم واحدة، أو يكون رجلان فأكثر متظاهرين على عمل التجديد في موضع واحد، ولقد جوز ابن السبكي أن يكون ابن سريج وأبو الحسن الأشعري مجددين في نهاية المائة الثالثة أولهما في الفروع، وثانيهما في الأصول، ولا مانع من قيام رجلين بمهم واحد، فقد ظهر ذلك في أعظم مهم وهو الرسالة؛ إذ أرسل الله موسى وأخاه هارون إلى بني إسرائيل وفرعون وملئه، وأرسل رسولين لأهل القرية، ثم عززهما بثالث كما جاء في سورة يس.
ويشترط أن يكون المجدد قد سعى لعمل في التجديد من تعليم شائع، أو تأليف مثبوت بين الأمة، أو حمل الناس على سيرة، بحيث يكون سعيه قد أفاد المسلمين يقظة في أمر دينهم، فسار سعيه بين المسلمين، وتلقوه، وانتفعوا به من حين ظهوره إلى وقت إثماره، سواء كان حصول ذلك دفعة واحدة أم تدريجًا.
ويشترط أن يظهر المجدد في جهة تتجه إليها أنظار المسلمين، وتكون سمعتها بموضع القدوة للمسلمين، مثل أن يكون من أهل الحرمين، أو من مقر الخلافة، أو من البلاد التي تعنو إليها وجوه المسلمين، مثل مصر في بعض عصور التاريخ؛ ولذلك نجزم بأن مظهر المجددين الذين ظهروا في عصور الإسلام كان هو الشرق؛ إذ يلزم أن يكون عمله نافعًا لجميع الأمة لا لصقع خاص.
وليس يكفي للوصف بالمجدد أن يكون رجلاً بالغًا حدًا قاصيًا في الزهد أو في الصلاح أو في التقوى، ولا بالغًا الغاية في الفقه، ولا كائنًا من أهل القضاء بالعدل؛ لأن تلك صفات قاصرة عليه؛ لذلك نرى عد عمر بن عبد العزيز مجدد القرن الثاني غير متجه؛ إذ هو وإن كان بحق خليفة عدل إلا أن الإسلام قبل زمانه لم ترهقه رثاثة، وليت الذين عدوا عمر بن عبد العزيز في المجددين عللوا ذلك بأنه الذي أمر بتدوين السنة.
[ذكر المجددين]
التوسم في تعيين المجددين، بحسب أدلة الحق المبين:
لقد قضيت حق البيان في توفيت الزمن الذي نطق فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
«إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها»، وأوضحت