أنه مما قال رسول الله في آخر سني حياته المباركة، فقضى ذلك أن يكون ابتداء الحاجة إلى التجديد من وقت وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن مدة حياة الرسول هي مدة أكمل أحوال نماء الدين.
إن وفاة رسول الله أكبر نائبة أصابت المسلمين، فإن رسول الله هو مظهر الإسلام وكانت جميع أحواله نفعًا للإسلام، فوفاته بمنزلة رفع الإسلام من جذوره، وكأن الله أراد أن يظهر بركة رسوله لمحة، فيرى الناس كيف اضطرب أمرهم بموته، حتى لا يكون انتقاله هينًا عليهم؛ لأن عواقب المصيبة تزيدها قوة، فكأن الإسلام قد ذهب مشيعًا روح الرسول، ثم عاد بعد التشييع.
فما شاع نبأ وفاته - صلى الله عليه وسلم - حتى ارتجت المدينة واضطرب أمر الأمة، وهجست خواطر الشيطان في نفوس الأعراب وحديثي الإسلام، وكاد الخلاف أن يدب بين المسلمين في أمر الخلافة، وأخطر ما فيه توقع دبيب الخلاف بين فريقين لم يختلفا ألبتة، وهما المهاجرون والأنصار، فكان موقف أبي بكر أول يوم عقب وفاة رسول الله موقف من رتق الفتق، ورأب الثأي، وبه استقر أمر الجماعة في وطن الإسلام، ومدينة أهل الحل والعقد من قادة الأمة، فبايعوا أبا بكر خليفة لرسول الله في تدبير شؤون المسلمين، فكان ذلك مبدأ تجديد أمر الدين بعد انفتاق نسيجه، ومبدأ إشادة صرحه بعد أن أشرف على الانهيار.
وما أن استقر الأمر بضعة أيام حتى ارتدت العرب، وتسرب الانحلال إلى الجامعة الإسلامية، وبقيت سلطة الخليفة قاصرة على المدينة وقليل من القبائل، فوجم أبو بكر وتحير المسلمون، فاستشارهم أبو بكر في ذلك، فما أقدموا على ارتياء مقاتلة معظم العرب، ولكن أبا بكر قد سدد الله رأيه وثبت فؤاده، فقال:«والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه، كيف لا أقاتل من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال».
فشرح الله صدر الصحابة إلى تأييد أبي بكر والقتال معه، وامتشق الحسام لنصر الإسلام، فلم يلبث إلا قليلاً حتى هزمت جيوشه جميع قبائل الردة، ورد للإسلام قوته، فكان ذلك أول تجديد للإسلام، وكانت القبائل التي قاتلت معه هم الذين خاطبهم الله على لسان رسوله بقوله:{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ}[الفتح: ١٦]، وثاب العرب إلى الرشد وعاد لهم