إسلامهم وطاعة إمامهم، وكان ذلك دخولاً جديدًا في الإسلام لمعظم قبائل العرب دخولاً لم يخرجوا بعده.
ثم رجع السيف إلى قرابه، واستقر أمر الإسلام في نصابه، وصلح حال المسلمين، وعلم الجميع معنى الإسلام ودوامه، فكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - مجددًا معنى الرسالة ومبينًا له، ولم يزل الإسلام يعلو وينتصر ويفيض على الأقطار؛ كالسيل المنهمر ففتحت الأمصار الكثيرة، وذلك إلى أواخر خلافة هشام بن عبد الملك من سنة (١٠٥ إلى سنة ١٢٥ هـ) من كيد أعدائهم، وانتصبوا لنظام أمرهم، وتأييد أمور دينهم وتلقي علوم الكتاب والسنة، وتدوين الآثار المروية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ابتدأ الاضطراب في داخلة الأمة الإسلامية بظهور بوادر الدعوة العباسية في سنة مائة فظهر دعاة الخلافة العباسية وهم اثنا عشر رجلاً سموهم النقباء.
ولم يزل أمرهم في نمو إلى سنة (١٠٩ هـ) تسع ومائة، وسنة (١١٠ هـ) عشر ومائة دعا أثير بن عبد الله السلمي الملقب بالكامل أهل سمرقند وما وراء النهر إلى الإسلام فأسلموا وبنوا المساجد وحفظوا القرآن، ثم ارتد الصغد وبخاري، ولم تزل فتوح المسلمين تتوسع بحق بعد هشام بن عبد الملك، وبأمراء جيوشه من مجدد المائة الثانية.
وانقضى عصر الصحابة، وحمل العلم من كل قطر عدوله وأفاضله، وصار الناس متعطشين إلى ما يؤثر عن رسول الله وخلفائه، ومصيخين لكل من يقول قال رسول الله فتهمم بالرواية أقوام كثيرون، وصار التصدي والتلقي غاية أولي الألباب، ولكن تفاوت الأفهام وتباينها في الضبط والتقوى قد حدا بقوم إلى الاستكثار من الرواية عن رسول الله، والاستهتار بحب الإغراب في ذلك، وبالإصغاء لكل من يتظاهر بأن له علمًا بسنة أو تفسيرًا لآية فكثر الدخيل، وعظم القال والقيل، وتفطن علماء الأمة لهذا الخطب الجليل، وابتدأت الشكاية من تساهل الضعفاء وغلاة الرواة تئن بها صدور أهل العلم والضبط، ففي صحيح مسلم أن عبد الله بن عباس قال: أنا كنا مدة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف.
لقد تصدى للرواية عن رسول الله ولتفسير القرآن أصناف من الناس في العلم