الذين تلقوا العلم عن الصحابة وهم المعروفون بالتابعين، فكان ابتداء تدوين علم الحديث في خلافة عمر بن العزيز رحمه الله (وكان من أهل العلم وممن سكن المدينة مدة وشاهد علماءها وروى عنهم)، فكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر ابن محمد بن عمرو بن حزم من فقهاء المدينة أن اكتب إليَّ ما كان من سنَّة أو حديث، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، وكان ذلك أواخر القرن الأول فكتب إليه أبو بكر الحزمي كتبًا، توفي عمر بن عبد العزيز قبل أن يبعث بها إليه، قال مالك: لولا أن عمر بن عبد العزيز أخذ هذا العلم بالمدينة لشككه كثير من الناس، يريد أنه حين كان أمير المدينة وكان أبوه قبله أميرها فقد علم مراتب العلماء فعرف من يستحق أن يؤخذ عنه العلم، ولم تظهر كتب أبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم.
وقد قيل: إن عبد الملك بن جريج ألَّف كتابًا في تفسير آيات، وذكر آثار فقيل: إنه أول كتاب ألَّفَ في الإسلام، ومات سنة (١٤٩ هـ)، وقال ابن حجر: أول من جمع الحديث الربيع بن صبيح، وسعيد بن أبي عروبة، فكانا يصنفان كل باب على حدة ولم يظهر شيء مما كتباه.
وتبعت أثر ذلك المذاهب والنحل، وحدثت الأحزاب في مسألة الخلافة وغيرها، ودخل في المسلمين كثير من المتظاهرين بالدين يكيدون إليه في السر ويُسرون حَسْوًا في ارتغاء، فلم يجدوا سبيلًا لترويج مذاهبهم إلا سلكوها، وأكبر ذلك وأهمه عندهم الاحتجاج لمذهبهم بما يروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكثر الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - عمدًا أو جهلًا أو تحريفًا أو تقليدًا، فلم يتوانَ أهل العلم بالحديث في الذب عن السنة بالتزام إخراج ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك بنقد الرواة وضبط أحوالهم وعرض مروياتهم على أصول الشريعة ومشهور السنة.
الاهتمام بتدوين ما صحَّت روايته عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
أول من ألَّف كتابًا على شرط صحة السند هو الإمام مالك بن أنس رحمه ألفَّ كتاب الموطأ، فالموطأ أول تأليف ظهر في الإسلام، وقد قيل: إن عبد الملك ابن جريج المكي أول من ألَّف، ولعل كتاب ابن جريج لم يتم أو لم يظهر، وليس البحث عن تحقيق كون كتاب ابن جريج أول كتاب ألف أو كون الموطأ أول كتاب ألَّف بكبير الجدوى، وقال بعض العلماء: ألفَّ مالك الموطأ بالمدينة، وألَّف