سألني عالم فاضل صديق، اعتاد تأنيسي بزيارته، عن تفسير قوله تعالى:{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}[التغابن: ٩]، وما وجه تسمية يوم القيامة في هذه الآية بيوم التغابن غير منثلج لما قاله بعض المفسرين في وجه هذه التسمية من أن التغابن هو أن أهل الجنة يغبنون أهل النار، وذكر أنه راجع تفاسير كثيرة فلم يجد فيها ما يقنعه، وحاورني في ذلك محاورة هزَّت من عطفي إلى أن أفصح في تفسير هذه الآية بما عسى أن يكون فيه مقنع، واللبيب يتبع أحسن القول ويسمع، ذهب الجمهور: إلى أن سورة التغابن مكية إلا الآيات الأخيرة من آخرها التي أولها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ}[التغابن: ١٤] الآيات، وأحسب أن هذه الآيات هي التي بعثت القائلين بأن السورة مدنية، إذن نعلم أن المقصود من الخطاب بالآية هم أهل مكة ابتداء وهم قريش؛ ولذلك جاء فيها: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧) فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن ٧ - ٩]، وقد قال أئمة من المفسرين: إن عادة القرآن أنه يريد بالذين كفروا متى ذكر في القرآن المشركين من قريش، وقوله {قُلْ بَلَى} كلمة (بلى) فيه إبطال للنفي الواقع في قوله: {لَنْ يُبْعَثُوا}، فإنها حرف يفيد عكس معنى (نعم) ويقع بعد النفي في الاستفهام وفي الخبر، وقوله:{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ}[التغابن: ٩]، ظرف متعلق بقوله:{لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ} ويجوز أن يتعلق بقوله: {لَتُبْعَثُنَّ} باعتبار عطف قوله: {ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ} عليه، أي: يبعثكم فينبؤكم يوم يجمعكم ليوم الجمع؛ لأن البعث حاصل قبل الجمع، وقوله:{فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}[التغابن: ٧] ... إلخ، جملة معترضة بين الفعل والظرف، و {لِيَوْمِ الْجَمْعِ} يوم القيامة، وقوله:{ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} جاء فيه اسم الإشارة للبعيد؛ لتهويله ولفت العقول إليه؛ فذلك عدل عن وصفه بيوم بعده، فلم يقل: ليوم الجمع يوم التغابن؛ لئلا يفوت معنى الحصر المقصود، وسيعلم ما فيه من النكبة، وجملة:{ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} جملة اسمية معرفة الجزأين فكان حقها أن تفيد الحصر، أي: هو يوم التغابن وليس غيره من الأيام يوم تغابن، ومعنى هذا الحصر: أن ذلك اليوم لما حصل فيه التغابن في أهم الفضائل جعل ما عداه من الأيام التي يقع فيها