الدعامة الثانية: شرائع الإسلام التي لا يستقيم أمر الأمة الداخلة في الإسلام إلا بمتابعتها؛ إذ فيها صلاح أمرهم في الدنيا بانتظام جماعتهم وسيادتهم وبها صلاح أمرهم في الآخرة بسلامتهم من العذاب من قول باللسان، وعمل بالجوارح، وتدخل فيها ضمائر قلبية؛ كمحبة المؤمنين، وسلامة الطوية؛ إلا أنها لما كانت آثارها أعمالاً ألحقت بقسم عمل الجوارح، ومبنى هذه الدعامة على تلقي الشريعة من لفظ القرآن ومن سنة الرسول وأعماله، وإفهام أئمة الدين الذين تلقوه صافيًا من شوائب الضلالات، بحيث يكون هذا التلقي سالمًا من اختلال نقل الرواة، ومن سوء فهم المنتمين لحمل الشريعة، ومن دخائل الملاحدة ورقاق الديانة.
الدعامة الثالثة: جامعة الإسلام المسماة بالبيضة وهي سلطان المسلمين وقوتهم، وانتظام أمرهم انتظامًا يقيم فيهم الشريعة، ويدفع عنهم العوادي العادية عليه من المجاهرين بعداوته، والمسيئين معاملته من أتباعه الذين يحق عليهم المثل:«عدوك العاقل خير من حبيبك الأحمق»، ومبنى هذه الدعامة على إقامة الحكومة الإسلامية في عظمة وقوة ومنعة، ونشر الإسلام بالفتوح الصالحة.
وقد رأى الصحابة القتال لإقامة جامعة الشريعة، وذود أهل العقائد الضالة المريدين حمل الناس على عقائدهم؛ كالقتال للدفاع عن بث الإسلام في أول أمره؛ فلذلك امتشقوا السيوف في الثأر لعثمان، وفي الانتصار لعلي على من خرج عنه، وقد قال عبد الله بن رواحة:
اليوم نضربكم على تأويل ... كما ضربناكم على تنزيله
[معنى التجديد]
تجديد الشيء هو: إرجاعه إلى حالة الجدة، أي: الحالة الأولى التي كان الشيء عليها في استقامته وقوة أمره، وذلك أن الشيء يوصف بالجديد إذا كان متماسكة أجزاؤه، واضحًا رواؤه، مترقرقًا ماؤه، ويقابل الجديد الرثيث.
والرثاثة: انحلال أجزاء الشيء وإشرافه على الاضمحلال.
فهذا الدين قد أظهره الله تعالى ونصره فتكامل أمره حين قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}[المائدة: ٣]، فكان في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دينًا واضحًا بينًا قويًا، لا يتطرقه تضليل، ولا يحول دون نفوذه قوي ولا ضئيل،