عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وروينا عن ابن عباس أنه قال:(إنَّا كنَّا إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله، ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف)، وروى مسلم عن ابن سيرين أنه قال:(إن هذا الحديث أو هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم)، وروى أبو عمر ابن عبد البر في التمهيد أن أبا هريرة قال: إن هذا العلم (يعني: الحديث) دين فانظروا عمن تأخذونه، ومثله مروي عن مالك في التمهيد، وفي المدارك لعياض.
وروينا عن عبد الله بن المبارك:(أن الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء)، وقال عبد الرحمن بن مهدي:(خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن: الحكم والحديث).
وعلى هذه الطريقة جرى الأئمة المشهود لهم بتمام الضبط مثل أصحاب مالك؛ كعبد الله بن المبارك، وابن مهدي، ومن أصحابهم؛ كالإمامين البخاري ومسلم.
وأنا أرى التحري أولى بالمسلمين فقد طفحت عليهم الروايات، فكانت منها دَوَاهٍ وطامَّات.
فإذا كنا متفقين في طريقنا من تغليب جانب التحري فالمراجعة سهلة، ولو لاح الخلاف في أول وهلة، وإن كان كلٌّ ينحو إلى منهج من ذينك المنهجين، فالاختلاف في الفروع تبع للخلاف في الأصول فلنتمسكه بوثاق الود، ولا نهتم باختلاف الأفهام والعقول.
[المراجعة التفصيلية]
ثم إن استقراء كتاب «فتح الملك العلي» بلغ بي إلى حصر مدارك الخلاف بيننا في ستة طرق مما سلكتموه:
الطريق الأول: أن كثرة الرواة عن أبى الصلت ترونه موجباً تعديله وأنا أرى أن كثرة الرواة عن المطعون فيه ليست بالتي تفلته من سهام الطاعنين وأنتم تعلمون أن أهل الصحيح والحسن يتوقفون في الرواية عن أحد بقولهم: «تكلم فيه» فكيف والذين رووا عن أبي الصلت كلهم متكلم فيهم.
الطريق الثاني: جعلتم اشتهار أبي الصلت بالزهد والديانة شاهداً لتعديله، وهذا لا أساعد عليه؛ إذ بين الديانة والعدالة بون، فقد قال مالك - رضي الله عنه -: لقد أدركت سبعين ممن يقول: قال رسول الله عند هذه الأساطين وإن أحدهم لو اؤتمن على بيت