قد أعلمنا الدليل العقلي بأن الله تعالى يستحيل عليه السمات المحدثات من الصوت والجهر ونحوه، وقد أعلمنا أنه كلم موسى تكليمًا، ونحن نعلم أيضًا أن موسى - عليه السلام - كان يومئذٍ في شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة وقد سمع صوتًا يقول:{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} إلى قوله: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه: ١٤ - ٤٤]، فهل يجوز أن يكون هذا الصوت قائمًا بالله تعالى؟ حاشا لله لم يكن لله أن يقوم به صوت وموسى قد سمع صوتًا، سمعه بأذنه الحادثة، فهل يكون ذلك هو الكلام النفسي القديم؟ أم هل يكون موسى قد سمع ذلك بقلبه؟ كلَّا، لو كان ذلك لم يفضل موسى - عليه السلام - على النَّحلة التي أوحى الله إليها: أن اتخذي من الجبال بيوتًا؛ ولكن نجزم أنه صوت كلَّامه بلا واسطة، فقل: إن تثبيت كلمته الشجرة، أو كلمه شاطئ الواد، أو كلمه الجو، بل ذلك يفضي إلى كلامه ووحي من الله تعالى بدون واسطة، فمن قال: كلمته شجرة، أراد التمثيل والاحتمال كالتعيين، ولا يصح قول من قال من أصحابنا: إن الكلام الذي كلم الله به موسى هو كلامه الذي هو صفة ذاته؛ لأنه يفضي إما إلى حدوث الله (جل وعلا) لأنه يستلزم أن تكون ألفاظًا صادرة عن شفتي الله (تعالى وتقدس). نعم، عندهم شيء سهل المبدأ صعب الغاية وهو أن يقولوا: إن الله خلق لموسى سمعًا قديمًا في صماخه يسْمَعَهُ؛ وهاته مضحكة؛ لأنه يلزم عليه تركيب موسى من قديم وحادث فاتضح أن الكلام الذي سمعه موسى على ما تَعَارَفَهُ الناس.
ستقولون فما هاته المنقبة لموسى التي يعدها الله تعالى وهو لم يزد على سماع كلام متعارف، فالجواب أن المنقبة لموسى التي يعدها الله تعالى وهو لم يزد على سماع كلام متعارف، فالجواب أن المنقبة في اللاجئ إليه بلا واسطة، وذلك كما يلقي الله الوحي إلى جبريل، فإنه يكون بكتابة تظهر له أو نطق من بعض الأشياء، مما يدله على أن هذا قول الله، والذي سوغ إطلاق إضافته إلى الله في قوله تعالى:{قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي}[الأعراف: ١٤٤]، هو انقطاع الواسطة، ودلالة تلك الألفاظ المخلوقة على كلام الله النفسي ومراده من موسى كما يسمى القرآن كلام الله وكتاب الله بهذا المعنى وهو بناء على الشايع المتعارف من إسناد الأمور التي خفيت أسبابها إلى الله تعالى وإن كان الكل من عند الله، يقول العامة اليوم في السؤال عن