أنسب للفظ النبوة، فإن رسول الله أفصح العرب فإضافة الأفصح إليه أنسب من ضده.
الأول: قوله: «فجعل ذلك النور يدور بالقدرة» وهو حشو من الكلام وهل تتحرك الأشياء كلها إلا بالقدرة.
ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا .... ولا ... إلخ، وهو تطويل ثقيل ننزه عنه البلاغة النبوية ويغني عنه أن يقال: ولم يكن في ذلك الوقت شيء مخلوق. وجابر ابن عبد الله لم يكن من الأغبياء حتى يطول له ما به من خاصة أصحاب رسول الله وأهل العلم منهم وممن روى عن رسول الله علمًا كثيرًا وأخذ عنه خلق كثير.
[نقده من جهة المعنى]
الوجه الأول: قال علماء أصول الحديث وأصول الفقه: إن كل خبر أوهم معنى باطلاً ولم يقبل التأويل فهو مكذوب، وتقدم أن ابن الصلاح قال:«وضعت أحاديث طويلة تشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها».
وهذا الحديث قد جمع طول اللفظ وطول المعنى مع قلة الجدوى، وعادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث في ذكر أمور الغيب الاختصار على محل العبرة وما يجب الإيمان به فيما يرجع إلى الاعتقاد مع الإجمال والرمز؛ لأن الأشياء التي لا تدرك بالكنه ولا يبلغ إليها فهم العقول لا فائدة في تفصيل الوصف فيها، وإنما ينبه القرآن أو السنة المؤمنين إلى أصل وجودها.
الوجه الثاني: أنه معارض لما ثبت في الصحيح في سنن الترمذي ومسند أحمد وأبي داود- ليس داود الطيالسي- عن عبادة بن الصامت، وعن أُبي بن كعب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«أول ما خلق الله القلم»، فهذا الحديث هو الذي يعول عليه لصحته وهو يعارض حديث عبد الرزاق المتكلم عنه؛ لأن معنى الجمع بين المتعارضين أن يمكن التصديق بمعنى كل منهما؛ فإذا كان التصديق بمعنى أحدهما يلزم منه إبطال معنى الآخر فليس ذلك من الجمع، بل ذلك يعود إلى الترجيح، أي: ترجيح صدق أحدهما وإبطال الآخر.
وهذان الحديثان قد عين كل منهما أول ما خلق الله تعالى من المخلوقات، ولفظ أول لفظ ظاهر الدلالة على معنى السبق الحقيقي، أي: التقدم في الوجود على كل ما سواه، وأحد الحديثين عين لهذا السبق شيئًا غير الذي عينه الحديث الآخر فثبت