التعارض بينهما لا محالة، وذكر صاحب المواهب اللدنية في الجمع بين الحديثين بتأويل أحدهما.
حاصله: أن يكون النور المحمدي هو أول المخلوقات على الحقيقة، ويكون القلم أول المخلوقات بالنسبة لما عدا النور المحمدي وهذا بعيد؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يبين للناس أول المخلوقات ما كان يعوزه أن يذكر النور المحمدي، ثم يردفه بالقلم.
التأويل الثاني: حاصله أن المراد بأول المخلوقات في هذين الحديثين، وفي أحاديث أخرى مروية بأسانيد بعضها صحيح وبعضها ضعيف تقتضي أن أول المخلوقات العرش أو الماء هو أولية كل شيء مما ذكر بالنسبة إلى جنسه، وهذا الوجه فاسد لانعدام فائدة التفضيل فيه؛ ولأن من الأشياء التي أثبتت لها الأولية ما ليس له أفراد؛ كالعرش، والقلم، ومن الأشياء ما هو الجنس كله؛ كالماء.
الوجه الثالث: أن حديث جابر جعل نور أبصار المؤمنين مخلوقًا من الجزء الأول من الربع الرابع مع أن أبصار المؤمنين ليست لها خصوصية في الإبصار على أبصار سائر الناس، وإنما تتفاوت الأبصار بالحدة والضعف بالخلقة ولا أثر في ذلك لإيمان ولا كفر؛ ولذلك لجأ شارح المواهب إلى تفسير الأبصار بالبصائر؛ ولكنه صنع اليد لا يساعد عليه لفظ الحديث، على أن قوله في الحديث بمعنى ومن الثاني نور قلوبهم يتأكد ما حمله عليه شارح المواهب.
الوجه الرابع: أن هذا الحديث يفيد معنى فاسدًا؛ وذلك لأن قوله:«أول ما خلق الله نور نبيك» يظهر منه أن الإضافة حقيقية، فالمراد من النور هو الحقيقة المحمدية أعني الذي سيكون فيما بعد روح محمد - صلى الله عليه وسلم - حين خلق الأرواح والذي سجل في جسده الشريف حين تنفخ فيه الروح في طور تكوينه، وإذا كان كذلك فتقسيمه بعد ذلك أجزاء وخلق مخلوقات في كل جزء من تلك الأجزاء يقتضي إما دخول النقصان على الحقيقة المحمدية بعد خلقها، وإما كون تلك المخلوقات أجزاء لها فتصير الحقيقة المحمدية كلاَّ له أجزاء وهذا معنى مخيف، فإن كانت الإضافة لأدنى ملابسة، أي: النور الذي منه نبيك كان ذلك مقتضيًا أن القلم واللوح والعرش والملائكة والسموات والأرضين معتبرة قبل الحقيقة المحمدية في التجزئة من ذلك النور؛ لأنها كونت من أجزاء قبل تكوين الحقيقة المحمدية من الجزء الأخير الذي وضع في آدم عند خلقه فيكون معنى الحديث على المقصود منه بالإبطال، فإن المقصود منه لقائله التعريف بفضل الحقيقة المحمدية في سبق الخلق.