إن الله بين لعلماء الأمة أحكام الملة بالقواعد والشروط فأغنى عن وضع الملامح والرموز، فإمام العدل الذي تجب طاعته والدخول في حزبه وأنصاره، وهو الذي استكمل شروط الإمامة والقدرة على حماية البيضة في وقت الحاجة إلى ذلك، فتجتمع على أهليته الأمة ويأمن الناس أن تصيبهم من خروجه فتنة، فإن هو كان كما شرطت الشريعة البيضاء النقية فهو في غنى عن الأخبار الملفقة والرموز الجبرية، وإلا فخير له أن يختبئ في جحره كالخنفساء في الشتاء، وأن يستزيد على ما أحضر له من عسل وماء، فلا يزال عاكفًا على مزج واحتساء إلى أن يفعل الله به ما يشاء.
[كيف نشأ القول بالمهدي المنتظر؟]
نبتت قصة المهدي من عصف هشيم قصة الإمام المنتظر عند الشيعة، وأصل ذلك كله أن شيعة الهاشميين لما أخفقوا في دعوتهم بعد تنازل سيدنا الحسن، ثم بعد مقتل سيدنا الحسين? وبعد استتاب الأمر لبني أمية، وعلموا أن قوة العرب أصبحت مع بني أمية لأسباب جمَّة ليس هذا محل بسطها، وأيسوا من نوال المقصود بالعصبية العربية تفرقوا في البلاد على حنق وغيظ ودبروا لنجاح دعوتهم بالسعي إليها من ناحية التأثير الديني وبالسعي إلى تكوين عصبية عجمية، وقد علموا أن المسلمين كلهم من عرب وعجم لم يزالوا بإيمان صحيح وتعلق بدينهم وشأن أهل الدعوات السياسية أن يتوسلوا لترويج أعمالهم بين العامة بالوسائل الاعتقادية لعلمهم بأن عقول العامة تقصر عن إدراك الأدلة العقلية وعن توسم عواقب الأمور، ويتوسلوا تلقيهم الأشياء المنسوبة إلى الدين بمزيد الاعتبار من دون تأمل ولا إقامة برهان لثقتهم بأن ما يجيء في الدين هو أمر مقطوع بصدقه سواء اطلعنا على دليله أو لم نطلع، فأصحاب الدعوة يسربون دعوتهم للعموم من مسارب الاعتقاد الديني، وإنما تظهر مقدرة الدعاة في تمويه دعوتهم بطلاء الأمور الدينية حتى لا يشك العموم في أن ما يدعونهم إليه هو من الدين ولا حظَّ فيه لنفوس طالبيه، ويعززون ذلك بما يختلقونه منسوبًا إلى إثارة علم الأولين المنبئة بأن عاقبة الظفر والنجاح والنصر تكون لهم حتى يكونوا في سعيهم على قوة أقل من النجاح فيحصل لهم اليقين بأنهم قد